يتطلع الفرد في حياته الى جملة من الضروريات يسعى لبلوغها وفقا لجدول أولوياتها وضرورتها لحياته، ومع إختلاف أفراد المجتمع في شخصياتهم وملامح مواهبهم سنجد أن فرقا نوعيا في الطرق والرؤى سيكون ماثلا للمعاينة طبقا لهذا التنوع .
ولو ذهبنا الى نظرية العِالم إبراهام ماسلو وهو يناقش ترتيب حاجات الإنسان و نموها سنجده ُيقسّم مراحل الكائن البشري منذ الولادة الى الشيخوخة ويحدد أولويات كلّ مرحلة وفقا لتدرج الحاجات حسب أهميتها في شكل هرمي، ويتكون هذا الهرم من: الاحتياجات الفسيولوجية، احتياجات الأمان، الاحتياجات الاجتماعية، الحاجة للتقدير، الحاجة لتحقيق الذات.
لو قرأنا حكاية الكائن مع ضروراته من جانب آخر سنجد أننا سنخلص الى مخطط آخر تماما عما وضعه السيد « ماسلو»
وهذا المخطط ينبع ليس من الإنسان نفسه في تحديد خياراته بل من الحاضنة الاجتماعية والفكرية التي ينمو فيها ..
فالفرد الذي يعيش في مجتمعات متخلفة ، بطريركية قمعية، غير الذي يعيش في أنظمة ديمقراطية دستورية ..
الفرد في الحالة الأولى غير معنيّ غالباً في التحرر من قيود العبودية ومحاربة الإستبداد ونبذ النظام العنصري .. الخ ، لأنها ببساطة غير متوفرة في حياته العملية، بينما العكس نرى الكائن الآخرالمسكون بالحرية والديمقراطية والنضال من أجل حياة حرّة وكريمة في سلّم أولوياته ..
لقد تغير المعيار تبعا لمسوغات خارج رغبة الفرد أو أدوار استحالة عمره بايولوجيا – فيزيقيا .
لو افترضنا رؤية أخرى لترتيب الأولويات من الناحية النفسية المحضة ، لوجدنا أن التسلسل سيأخذ منحىّ مختلفا تماما في رسم خارطة الضروريات .. هنا تبرز الحاجة الفردية الخاصة لتسيّد المشهد العام لخارطة طريق الكائن نحو مجاهيل روحه في علاقتها مع الآخر ..
العبد والسيد ، العبودية كنظام عام ، والعبد بوصفه مشروعا فرديا للتماهي معها .
هناك تختلط الأولويات وتنمحي جدولة الضرويات نتيجة لغياب عامل الإرادة المشتركة بين طرفي العلاقة ..
فالسيد هو من يرسم الخارطة ويضع الجداول الزمنية بجانب سلّة ثقيلة من النزوات الآنية والتي لا بد للعبد أن ينصاع لها بطريقة صلدة جدا .. إذ لا أثر فيها حتى لقانون « الميكانيكيا « في مفهوم الفعل ورد الفعل .
في اختلال العلاقة بين طرفي العقد ستكون هناك فسحة عارمة للطفيليات في الوجود والسماسرة في الأسواق، والطنين في الأدمغة، والفايروسات في الأجساد .
عند ذاك تكون الهوة قادرة على صياغة الأولويات وصناعة الوصايا والمسلات،وسيغيب المنطق ويتخفى القانون ويصبح الجميع أسماك زينة في حوض السيد ..
الحكاية إذن ليست متعلقة بعامل واحد يقتضى ترتيب جدولة من الأولويات والضروريات لأننا بهذا الفهم الأحادي سنكون قد أقصينا وغمطنا حق كلّ عامل في رسم خارطة الطريق للكائن.
ترتيب الأولويات إذن عقد لابد أن يتوافر على متعاقدين ، شراكة لا بد أن تتوافرعلى مشتركين ، فعالية لابد أن تعتمد على فاعلين ، فضاء لابد من وجود حالمين ..
عندما كان لأمير القتل وسفاح الحلم « شهريار « ضرورة واحدة بزمن ليلة واحدة ، كان سيدا حقا أذعنت له النساء وحقق أولوياته في كلّ زمن وليلة .. لقد بطش بالعذروات لعقدة نفسية ما ..
ولكن المعادلة إختلفت عندما ظهرت « شهرزاد « في ليلة كابوسية، لقد إستطاعت أن تلوي عنق سريرالشرط وسيف الانتقام ..
« ألف ليلة وليلة «، لقد إستطاعت شهرزاد من سحق هيمنة السيد على السرير والحياة معا، بوجوب خلق معادل موضوعي
شهرزاد فسخت عقد العبودية وأبدلت سرير الشهوة الى فضاء عام للحياة ،لذا لازمت سيدها بالمثول أمام طوارىء الحكاية ‚ نسل من صلبه ، طرف ثالث .. أعادت به المرأة تبديل الشروط تماما ..العبودية أطفأت شهوة السيد والعبد أصبح مثمرا .
هذه القاعدة في الحياة عندما نكون فاعلين في سريرعبوديتنا ، في مناخ حريتنا .. نطرح عقدا لعلاقة متوازنة .. علاقة الند بالند حتى وإن كانت النزوة والعبودية من مراحل تطور الإنسان . كل ما نفكر به سيكون أولوية حتما لأننا نمتلك الحرية في إدارة الحوار .
الحوار يعني : تغييرالأولويات وتأجيلها وتعديلها ، لأن لا صرامة في الجدل المعرفي ، ولا قساوة وعبودية مع الأولويات ..الحرية هي الشرط الأول والبقية تأتي.