بقلم / رئيس التحرير
وديع شامخ
«في 1995 اطلقت المغنية العالمية الشهيرة دولي بارتون مشروعا جديدا ومثيرا (مكتبة الخيال- لدولي بارتون ) لتشجيع اطفال العالم على القراءة ومنحهم متعةالتخيل والابداع وقامت مؤسستها خلال عقدين من الزمان بارسال 85,419,000 كتابا الى الاطفال في مختلف انحاء العالم – ارسلت -عبر البريد – في شهر كانون الاول ديسمبر2016: بمناسبة الأعياد 1,012,761 كتابا الى الاطفال- تقول بارتون :
-القراءة تصنع فرقا في حياتنا ..
بدأ مشروعها صغيرا عندما قررت ارسال كتب الأطفال الى مكتبة المدرسة التي
امضت فيها طفولتها ثم اعلنت عن مشروعها وتعاونت معها مؤسسات امريكية ثم اتسعت انشطتها الى كندا وبريطانيا وانضمت اليها مؤسسات وجمعيات عالمية تعنى بكتب الاطفال واتسع نشاطهاالى قارات العالم كلها من اجل ان يتمتع الاطفال بسحر المخيلة والكتاب ولاتستلب ارواحهم برامج التلفزة العنيفة والاعلانات الاستهلاكية».
……………………
هل تكفي هذه المقدمة لتحريض ضمير عراقي وعربي قادر على العطاء الميداني المادي بروح الانسانية الكبرى ممن يشتغلون في حقول الفن والادب والفكر ؟
قد يبدو سؤالي متعسفا حول مخاطبتي لفئة من الناس الذين يطلق عليهم الوصف والتوصيف «كفنانين ، ادباء ، شعراء ، مفكرين « اذا كان القصد هو المساعدة المادية والدور العملي المباشر لتغيير حياة الناس ، وهناك الكثير من الشواهد التي يمكن ان نسوقها لفنانين الذين تجاوزت ارصدتهم الملايين من الدولارات وربما المليارات ولم نشهد لأي منهم مبادرة مجتمعية كالتي اطلقتها دولي بارتون ، ولا حتى صدى باهت لها سوى مشاركات بائسة كان القصد من ورائها حضور الفنان ودعاية له إلا ما ندر من مواقف انسانية من هنا وهناك .
……………….
لكن السؤال الأكثر عمقا والذي يتعلق بالمسؤوليات التاريخية في آفاقها الواسعة والتي يتحمل مسؤوليتها المبدع في الحقل الثقافي ،الفني والاجتماعي ، انها المهمة التي تتخطى حدود الماديات بكل ثقلها الحياتي لتصل الى تخوم الروح الانسانية .
الموسيقي الذي ينتج للبشرية سمفونيات ومقطوعات ومعزوفات تثري خيال الانسان وتدرب حواسه على السمو والارتقاء فهو قد ساهم بتربية أجيال تغترف لغة الجمال ، والشاعر الذي يصوغ كلماته اسئلة وجودية عميقة يساهم في خلق ذائقة انسانية راقية لا يمكنها ان تعيش في جب الظلام ويكون هدفها الحياة تحت شمس الحرية ، الحياة ذات المعنى العميق ، ولو ابدع المطرب في اختيار اغانيه من شعر ولحن واداء مبتعدا عن هابط الذوق وميوعة الغناء الرخيص لكان احسن في صناعة جيل من المتلقين للطرب الاصيل والغناء الشفاف الذي يجنبنا الوقوع في متاهات الخفة والسقوط في خانة الاحتاج الوحشي للجسد فقط .
ولو تجنب الممثل الرضوخ الى مطالب السوق وتفاهة الافلام والمسرحيات لكان قد اسهم في خلق مدرسة للتلقي الجمالي ونشر رسالة المسرح بجمالها وانسانيتها ، ولاشك بأن السارد بكل فنونه سيساهم في تكامل التذوف الجمالي عبر القص والرواية وكتب السيرة والرحلات وغيرها لمد جسور التواصل بين عالم الخيال والحقيقة ، لاثارة فطنة المتلقي للتوق الى عوالم اكثر بهجة وعمقا من عوالمهم الواقعية وسجونهم الذهبية الاصدفاد.
وحين لا يتورط الفنان التشكيلي في تمجيد الطغاة ومحاكاة سوق الطلب بريشته ويقفز بألونه وافكاره ليمنح الحياة فسحة لونية مشرقة ، المفكر في مختلف الحقول عندما يكون عصيّا عن سوق البورصة السياسة ويبتعد عن مهمة المهرج ووعاظ السلاطين ، سيكون خطابه أمضى من الرماح الردينية في فقأ عين الدجل في الخطاب السياسي، ليؤشر الى مواطن الخلل بسبابة باشطة .
……………
نساهم جميعا في بناء حياة فاعلة منتجة عبر القراءة والتذوق الجمالي ، سيكون من حقنا أن نؤسس كوجيتو خالص لنا كمثل « أنا أقرأ إذن انا موجود ، أنا أشاهد فنا راقيا أّذن أنا موجود ، أنا أسمع موسيقى وغناء راقيين إذن انا موجود ، أنا اقرأ شعرا عصيّا ً على التدجين إذن أنا موجود ، أنا أقرأ سردا خالٍ من وصايا السلاطين وتهريج الواعظين اذن انا موجود ، عندما أرى لوحة تشكيلية غنية بالحياة إذن انا موجود / عندما أقرأ جرأة الفكر واشاراته للخراب بكل مفاصل الحياة إذن أنا موجود «
كل هذا واكثر يجعل الحياة مُحلقة بجناحين ، نافرة ، وتحمل في احشائها بذور الحق والعدالة والخير والجمال .
اذا ماكانت المغنية بارتون قد أسهمت بمالها لجعل العالم أجمل ، فبكل هذا الغنى الروحي والجمالي وعبر كل مواطن الابداع التي صارت كوجيتوات لنا ، سيكون العالم أكثر محبة ،سعادة ،سلام و بلا ظلام وخفافيش .
………………………..