وديع شامخ
الانسان مطبوع وموصوف ككائن اجتماعي ، وهذه ميزته الأثيرة على كافة الكائنات على وجه البسيطة . وللانسان خصلة أخرى تضعه في مقامه الأعلى ، وهي نعمة العقل المبدع ، والذي يفترض ان يكون خارجا من مدار الأحادية ، لا اقصد بالواحدية التفرد الطبيعي ، وانما اقصد الواحدية كتميّز عرقي او ديني او طائفي او اية صفة لسيادة الانسان بوصفه توجها فكريا متخندقا في صومعته .
وجود الانسان ليس عبثا ولا صدفة كونية ، لان وجوده مبرر ،وله غاية أكيدة ، سواء اكان الانسان مؤمن بهذا الوجود كرسالة سماوية أم بنقيضها ، فهو موجود كي يبدع ويختلف ويزدهر ويسخر الممكنات في الطبيعة لحياة البشرية والطبيعة عموما .
وسر تطور المجتمعات وركيزتها الإنسان في وجوده متنوعا وقابلا للحوار والتعايش مع الآخر المختلف والمؤتلف معا ، ومن ميزاته الخلاقة انه لا ينتظر صفة أو شكلا، لونا، عرقا، حزبا ليضعه دالة على التفرد .
………..
الانسان الفاعل يسخر ملكاته العقلية والبيولوجية وكل صفاته وهوياته الظاهرة والباطنة لكي يكون متميزا في مجتمع ، وليس منعزلا في صفة وهوية، فالتميز في الجماعة ليس التميز في الذات، رغم ان الذات مصدرا ملهما للإبداع ، ولكنها ستكون مدمرة تماما عندما تؤذن لصاحبها أن يكون حالماً بلا يقظة .
………..
والتاريخ القريب لنشوء المجتمعات المتنوعة يدلنا على أهمية وجود الابداع الفردي في صياغة أفق الجمال المجتمعي العام ، فتلاقح الثقافات ينتج مجتمعات خلاقة ، لا أفراط ولا تفريط بها، لا واحدية للتميز ولا واحد للسمو .
البطولة الفردية ودور الفرد في التاريخ أصبحت شبه واقعة مستحيلة في ظل الاختراق العملاق للعقل البشري لاقبية وخانات الذوات المتورمة والشعوب المنقادة الى حتوفها قهرا .
………..
الإختلاف طبيعة ابداعية انسانية، وهو تأسيس خارج النمط في الدور الشخصي وفي الفعل الحياتي العام ، فمثلا كتابة النص الشعري ، صياغة فقرة دستورية ، التفكير في تأسيس مشروع ما ، تأسيس حزب ما ، التصويت الى جماعة ما ، حب امرأة ، طلاق ، زواج ، انجاب ، كلها قرارات فردية أولا ولكنها لا تصمد بفردانيتها لأنها عميقة الجذور بالمشاركة مع محيطها ونسقها العام .
………..
يعرف العلماء السرطان بانه مرض يتميز بقدرته على الانتشار الكبير في نقل الوباء للجسد البشري، وفي مواقع متعددة ، فهناك سرطان الدماغ ، سرطان الدم ، سرطان الثدي ، سرطان المعدة ، المثانة .. الخ سرطانات متنوعة في هيكل الجسم الانساني ، والسرطان في كونه المرض الأشهر لقهر الانسان ، لكننا لم نعرف ولم يؤكد العلماء على سرطان الخيال ، سرطان الموهبة ، سرطان التميز ، وهذا سر في تميز الارادة البشرية في خلق قرارها النوعي مشاركة مع قلقها الفردي واليومي والشخصي ، فعدم وجود سرطان في موهبتي لا يعني عدم وجوده مرضا في جسدي ، لذا يكون الكائن البشري ازاء هذه الثنائية واحدا وغير منفصل ، فهو يكافح سرطان الآخر ويطمح لتكريس الرغبة في الحياة مع الاخرين
………..
قد يبدو الانسان “ ذو البعد الواحد “ شائعا ، نموذجا عاما ولكنه لا يشير قطعاً الى صحة نظريته الأحادية ، نموذج البطل ورجل المراحل ، والقائد الأوحد ، ورجل الدين الأقدس ، وعلّامة زمانه ، وفقيه الأمة وحبرها الأعظم وغيرها من الصفات التي تشير الى تحجر العقل الانساني وخضوعه لنمط الواحدية في الحياة الغنية والثرية بالتنوع والاختلاف ، وبما أن الانسان هو عمود المجتمع ونواة أفقه ، فسيكون المجتمع أحاديا اذا ما قام على عقيدة الانسان الواحدي الفكر ، وبذا ينتج الانسان اجتماعية أحادية وليس اجتماعية متنوعة ، ويساهم في وأد التنوع واشاعة سرطان وآفة التخندق الواحدي سواء كان دينيا أم عرقيا أم طائفيا أم حزبيا ، أو أية صفة غالبة تلغي التنوع و تجعله مصدر شر وشقاق بدلا من استثمار التنوع كقوة للعقل الانساني الخلاق في نزوعه الاجتماعي لبناء مجتمعات ودول متعددة الثقافات، أساس حياتها العقد الاجتماعي وضابط مدنيتها الدستور المدني والقوانين المنظمة لسير المجتمع دون فصل وتمييز .
بهكذا رؤية مجتمعية عامة ينجح الانسان في شرطه الاجتماعي ليكون فاعلا في محيط مختلف ومؤتلف معا ليثبت انسانيته أولاً ، وهويته الجمعية لاحقاً .