مجلة النجوم – سيدني.

تُظهر الصور شواطئ مغرية مشمسة، وفنادق فاخرة، وعارضات أزياء يرتدين البكيني، لتُروّج لعيادات تركية التي تُجري الجراحات التجميلية بمبالغ زهيدة، فيما يظن الناظر أنها إعلانات سياحية موجّهة إلى العائلات!

إن أيّ شخص يفكر في جراحة الثدي أو شدّ المؤخرة أو حتى إجراء “ريلوكينغ ما بعد الولادة” لكامل الجسم، أو العديد من العمليات، بما في ذلك شدّ البطن، وشفط الدهون، وشد الفخذ والذراع، وتجديد الأعضاء التناسلية، يُعرض عليه إنجاز تلك العمليّات بمبالغ منخفضة على يد “أطباء متخصّصين من الطراز العالمي”، وفق حملات تركيّة ناشطة لجلب الزبائن. والأكثر من ذلك أنه من الممكن الإقامة في منتجع متوسّطي من فئة الخمس نجوم.

مضاعفات عمليات التجميل في تركيّا

على موقع “دايلي ميل” البريطاني، تمّ إجراء مقابلة مع جرّاح التجميل الاستشاريAlastair  Brown فانتقد جرّاحي التجميل الأتراك بشكل قاسٍ ومفصّل، بالإضافة إلى تعداده المشكلات التي تتسبّب بها تلك العمليّات التجميليّة غير المحترفة، ثم شرح معاناة المريض عندما يعود إلى بلاده ويلجأ إلى جرّاحي التجميل البريطانيّين للقيام بالإصلاحات الشائكة والمعقّدة، التي قد تؤدّي إلى الموت أحياناً.

نقلنا ما قاله Alastair Brown حرفياً، وعمدت إلى أخذ رأي الطبيب اللبناني الفرنسي وليم وطفة، لكون الكثيرات من اللبنانيات يقصدن تركيّا لإجراء عمليات تجميليّة بمبالغ منخفضة.

يقول جراح التجميل الاستشاري Alastair Brown، الذي يعمل في “هيئة الخدمات الصحيّة الوطنيّة” في بلفاست، والمتحدث باسم الجمعية البريطانيّة لجرّاحي التجميل والترميم (BAPRAS): “رأيت بنفسي العواقب المميتة والمسيئة للمظهر الناجمة عن السفر إلى الخارج لإجراء جراحة بميزانيّة منخفضة. أرى مرضى يعودون مصابين بالتهابات خطيرة، وبجروح تنفتح أو تتفكك تمامًا، وتجمعّات للدم أو للسوائل الأخرى، وتركيبات تمّ زرعها ثمّ انكشفت أو تمزّقت”.

مستشار جراحة التجميل الذي يعمل في هيئة الخدمات الصحية الوطنية في بلفاست والمتحدث باسم الجمعية البريطانية لجراحي التجميل والترميم (BAPRAS)، Alastair Brown

يروي أن “مريضة فقدت جزءًا كبيرًا من ثدييها بعد مت مدمّرة ناجمة عن عملية جراحية في تركيا، بعد أن انتشرت الالتهابات وماتت أنسجة الثدي، وهو ما يُعرف باسم نخر الأنسجة”.

يأتي صعود الجراحة التجميلية في تركيا في سياق انطلاق عربة السياحة الجراحية عالمياً، والتي أتت بنتائج متباينة، فحظيت تركيا بتدفّقٍ نحو 150 ألف شخص من المملكة المتحدة العام الماضي، في وقتٍ يُعتقد بأنّ ما لا يقلّ عن 25 بريطانيًا لقوا حتفهم منذ كانون الثاني 2019 بعد الإجراءات الطبيّة هناك.

ويشرح مستشار جراحة التجميل Alastair Brown: “في أغلب الأحيان، يكون هناك موضوع مشترك: التقييم السيّئ للغاية، أو غير الكافي، قبل الجراحة. هذا هو المكان الذي يجتمع فيه المريض مع الجرّاح مسبقًا لمناقشة ما إذا كان الإجراء مناسبًا له. فهل النتيجة المرجوّة واقعية مثلًا؟ وهل أخذ الجرّاح في الاعتبار سلامتهم النفسية؟”.

يضيف: “في أغلب الأحيان، يتم ذلك في العيادات التركية عبر تطبيق WhatsApp. لذلك، لا يمكن فحص المرضى بشكل صحيح، بالرغم من أن الفحص جزء أساسي من العملية. لقد سمعت عن العديد من الحالات التي أُجبر فيها المرضى على الموافقة على تغيير الخطة أثناء نقلهم إلى غرفة العمليات. يعود الكثيرون إلى منازلهم بعد وقت قصير جدًا من إجراء الجراحة. وقد سمعت عن أشخاص يقفون في المطارات والدماء تسيل من أرجلهم أو السوائل تنزف من جروحهم. وهذا يترك لـNHS (اختصار لـNational Health Service: الخدمة في المملكة المتحدة التي توفر رعاية طبية مجانيّة للجميع وتموّلها الحكومة) مهمّة الترقيع. سوف يتمّ علاج أيّ شخص حياته مهدّدة، بغض النظر عن كيفيّة إصابته. لكن لا يمكن الاعتماد على NHS لإصلاح التشوّه لدى المرضى. لذلك قد يضطرّ المريض إلى إنفاق آلاف الدولارات على جرّاحين مختصّين لمحاولة إصلاح ما تمّ تشويهه”.

ويتابع: “يمكن أن تحدث المضاعفات حتى بين أفضل الأيدي، في المملكة المتحدة أو في الخارج. هناك بعض العيادات والجرّاحين المتميّزين في تركيا، ولكن على عكس المملكة المتحدة، من الصعب معرفة أسمائهم ومدى مهارتهم. إذا تمّ عرض مبلغ منخفض جدًا لشيء يكلّف عادة أكثر بكثير، فاسأل نفسك لماذا هو رخيص جدًا؟ هل هناك نقص في الخبرة أم أن الموادّ ذات جودة أقلّ؟”.

ويحذّر من أن “ما كان من المفترض أن يحسّن مظهرك قد تكون له نتيجة عكسيّة. ولهذا السبب فإن هذه الصفقة الرخيصة يمكن أن تكلّف الشخص الكثير على المدى الطويل؛ ليس فقط من الناحية المالية، ولكن جسديًا ونفسيًا أيضًا”.

مقدّمة البرامج التلفزيونيّة البريطانيّة Charlotte Crosby، في الصورة، هي إحدى المشاهير الأخرى التي خضعت لجراحة تجميلية

أسباب توقيف عمليّة رفع المؤخرة البرازيليّة في المملكة المتحدة

يشرح الطبيب الاستشاري في طب التجميل عن سبب توقف المملكة المتحدة عن إجراء عملية رفع المؤخرة البرازيلية، فيقول: “تحظى جراحة رفع المؤخرة البرازيلية (BBL) بشعبية كبيرة بين المشاهير ذوي المنحنيات، حيث يتم حقن الدهون في عضلات الأرداف لتكبيرها، ويتزايد الطلب عليها، على الرغم من كونها واحدة من أكثر عمليّات التجميل فتكًا في العالم. فالخطر ينشأ إن تمّ حقن الدهون في المكان الخطأ. إن دخلت مجرى الدم، بدلاً من البقاء في العضلات، يمكن أن تنتقل إلى القلب أو الرئتين أو الدماغ، ممّا يسبّب انسدادًا يُسمّى embolism. هذا ما ترك خبيرة التجميل والأم لثلاثة أطفال، ليا كامبريدج (29 عامًا، من غرب يوركشاير) مصابة بثلاث نوبات قلبية، وبانسداد رئويّ، على طاولة العمليات، وكانت قد أجرت عمليّة جراحيّة في تركيّا”.

خضعت نجمة تلفزيون الواقع Lauren Goodger، في الصورة، لجراحة تجميلية شديدة

الأسنان يمكن أن تدمّر ابتسامتك إلى الأبد

يسخر دكتور Alastair Brown من خدعة الابتسامة والأسنان المثالية فيقول: “إنّه أمر ضروريّ لجيل Instagram: مجموعة من الأسنان المستقيمة والناصعة البياض. تتباهى عارضة الأزياء السابقة كاتي برايس ونجوم Love Island بأسنانهم الجميلة عبر الإنترنت خلال الترويج للعيادات التي تقدّم الابتسامة المثالية في أيام قليلة، وبتكلفة منخفضة”.

ويُحذّر: “لكن زملائي أطباء الأسنان يحذّرون من أنّ الإجراءات المنخفضة التكلفة تدمّر أسنان الأشخاص الطبيعيّة بشكل دائم، ممّا يسبّب مشكلات في النطق والعضلات، ويؤدي إلى التهابات خطيرة في الأسنان”.

يقول بول وودهاوس، طبيب الأسنان في عيادة غرانج لطب الأسنان في نورتون (مقاطعة دورهام) إنه يعالج شهريًا مريضين من العائدين من تركيّا، من الذين يحتاجون إلى إصلاحات

ويضيف: “عاد شاب يبلغ من العمر 19 عامًا، وقد زرع 20 تاجًا من الأسنان، ولم يعد قادرًا على التحدّث بشكل صحيح”.

“كان يعاني من اللثغة، ولا يستطيع نطق حروف معيّنة. كان فكّه في ورطة، وكان يتألم. وكانت ثلاث من أسنانه تموت، لأنّها بُردت بشكل سيّئ لدرجة أنّ الأعصاب قُتلت”.

ويشرح: “في أغلب الأحيان، تستخدم العيادات التركيّة شرائح من التيجان المتّصلة بدلاً من التيجان المفردة، ممّا يعني برد الأسنان السليمة إلى أوتاد صغيرة لتناسبها بشكل صحيح”.

قامت عارضة الأزياء السابقة كاتي برايس ونجوم جزيرة الحب بإظهار “أسنانهم التركية” عبر الإنترنت للترويج للعيادات التي تقدّم الابتسامة المثالية في غضون أيام قليلة وبتكلفة منخفضة.

ماذا عن المرضى الذين يأتون إلى لبنان لإجراء العمليّات التجميليّة؟

ماذا عن لبنان، الذي يقصده أهل الخليج والمغتربون والمواطنون الأجانب للقيام بعمليّات التجميل؟ وما رأي أطباء التجميل اللبنانيّون بما قاله جرّاح التجميل البريطاني Alastair Brown؟

يقول طبيب التجميل الجرّاح اللبناني الفرنسي وليم وطفة: “نسمّي هذه الظاهرة Medical Tourism أي السياحة الطبيّة، وهذا يعني أنّ شخصًا ترك بلده وقصد بلدًا آخر معروفًا بجراحة التجميل، وبأسعاره المنخفضة نسبة للبلد الأم، للقيام بعملية تجميل. فالهدف هنا هو توفير المال. هذه الظاهرة موجودة في لبنان أيضًا، لأنّه معروف بأطبّائه وجرّاحيه الماهرين، لا سيّما في حقل التجميل. فأنا شخصيا أستقبل مرضى من الخليج وأوروبا وأميركا وكندا وأوستراليا. يخضعون لعمليّة تجميليّة ثمّ يعودون إلى بلادهم الأم. طبعًا، أجور العمليّات الجراحيّة في لبنان ليست منخفضة جدًا كما في بعض البلدان، ولكن تبقى أقلّ من البلدان الغربيّة الكبرى”.

طبيب التجميل الجرّاح اللبناني الفرنسي وليم وطفة

ويضيف: “النقطة الثانيّة والمهمّة جدًا أنّ ما يقوله جرّاح التجميل البريطاني صحيح مئة في المئة. هناك فوضى، وعدم احتراف في بلدان أخرى مثل تركيّا أو تايلاند. تلك البلدان الكبرى لديها عدد كبير من الجرّاحين والمرضى الذين يلجأون إلى خدمة Medical Tourism package أي الرزمة السياحيّة الطبيّة، التي تتضمّن سعرًا واحدًا، يشمل تكلفة العمليّة والمنتجع السياحي الذي سيقيم فيه المريض والمركز الطبّي، وأحيانًا سعر بطاقة الطيران؛ وهذا الأمر يعتبر عامل جذب يحثّهم على التغاضي عن الاختيار الموضوعيّ والبحث المعمّق عن جرّاحي التجميل المحترفين، وعمّا إذا كان اسم الطبيب موجودًا في نقابة جرّاحي التجميل Board plastic surgery. إنهم يخاطرون ويخضعون للجراحة، وبعدها تأتي المضاعفات”.

وعمّا إذا كان يستقبل هذا النوع من المرضى الذين أجروا عمليّات فاشلة في تلك البلدان، يقول دكتور وطفة: “نعم، كثيرًا ما أستقبل مرضى أجروا عملياتهم في تركيّا أو حتى في سوريا من أجل التوفير، ويعانون من مضاعفات طبيّة هائلة، فيضطرّون بالتالي إلى دفع تكاليف أكبر بكثير ممّا دفعوه في تلك البلدان للعلاج وإصلاح الأخطاء الطبيّة”.

ويشرح الإجراءات الضرورية بالقول: “أنا وزملائي، عندما نستقبل مرضى من الخارج، أميركا مثلًا أو إنكلترا أو فرنسا… نكون قد أجرينا معهم قبلًا online consultation (التشاور عبر الإنترنت)، ثم قبل العمليّة بأربعة أيّام نقوم بمقابلتهم وجهًا لوجه (Life consultation)، ونطلب منهم إجراء فحوصات عديدة تحضيرًا للعمليّة، وشرطنا الأساسي عدم السفر فورًا بعد العمليّة قبل الخضوع لفترة نقاهة. فتكبير الصدر مثلًا يحتاج إلى أسبوع نقاهة على الأقل، وهناك عمليّات تحتاج إلى ثلاثة أسابيع، خاصّة عمليّة شدّ البطن Tummy Tuck، من ضمن mommy makeover، أي استعادة شكل ومظهر جسم المرأة بعد الإنجاب.

ويضيف: “إجمالًا، في لبنان، أنا وزملائي نتّخذ الإجراءات اللازمة، ونتحمّل مسؤوليّة عملنا إن حدث أيّ إشكال أو مضاعفات. هناك نقطة مهمّة أريد أن أوضحها: السياحة الطبيّة Medical Tourism ليست ظاهرة جديدة، فهي موجودة منذ زمن في أكثر من اختصاص. هناك مرضى يأتون إلى لبنان مثلًا لإجراء عمليّة القلب المفتوح، أو لزرع صمّام أو زرع أسنان، وذلك بسبب التكلفة العالية في بلادهم”.

نسأله عن كيفية اختيار طبيب التجميل أو المركز في البلدان المعروفة بعمليات التجميل من دون الوقوع في الخطأ، فيجيب: “عليهم أن يقوموا ببحث موسّع حول المركز أو الطبيب الجرّاح الذي اختاروه، وألّا ينخدعوا بالحملات الإعلانيّة؛ والأفضل من كلّ ذلك سؤال صديق خضع سابقًا لعمليّة تجميليّة ناجحة في تلك البلدان، ومعرفة كيف تمّت المتابعة، وما جرى قبلها، ومدى مهارة الطبيب والفريق الطبّي”.

ويخلص الى أنّه “ما من أحد بمنأى عن مضاعفات ما بعد العمليّة، ولكن الطبيب المحترف يُعالج الأمر بشكل فوريّ قبل الدخول في تعقيدات لا يُمكن حلّها”.

نقلاً عن النهار

رابط مختصر: https://anoujoum.com.au/?p=23785