من مآثر حضارة بلاد ما بين النهرين حضارة تمثلت بعلم الفلك، وما كان لهذا أن يحصل لولا الحساب. فالسومريون الذين كتبوا بالمسمارية توصلوا إلى قسمة السنة إلى اثني عشر شهراً قمرياً جاعلين عقب كل سنتين قمريتين سنة ثالثة قمرية عدة شهورها ثلاثة عشر شهراً، وذلك من أجل مطابقتها مع السنة الشمسية التي تزيد على القمرية بحوالي ثلث شهر. والبابليون هم الذين عرفوا النظام السداسي في الحساب، وهم الذين جعلوا من الليل والنهار أربعاً وعشرين ساعة، وجعلوا الساعة ستين دقيقة والدقيقة ستين ثانية. والدائرة عندهم تتألف من 360 درجة. وهذا ما ينطبق على الأرض، أي محيطها، ودائرة الفلك، وكل هذا قابل للقسمة على ستة وفاقاً لنظام الحساب السداسي. إضافة إلى هذا فإن البابليين ضبطوا مطلع الشمس، وتقلبها ذات اليمين أو ذات الشمال، كما ضبطوا مطلع الزهرة ومغربها وقرانها بالشمس، وإليهم تعزى معرفة المنطقة المسماة بمنطقة البروج، ومعرفة حركة الكواكب السيارة وجدولتها في جداول حسابية، كما أن الفضل يعود إليهم في إقامة العديد من المراصد الفلكية، واستخدام المزولة الشمسية والساعة المائية، والمرقب النجمي. أما الكلدانيون فهم أول من استخدم التقويم المبني على أساس حركة النجوم ومن أوائل الذين رصدوا حركة الشمس والقمر، وحددوا منطقة البروج. فقد نسب إلى (نابو ريمانو) حوالي 500 ق.م. أحد أشهر علماء الفلك الكلدانيين قيامه بدراسة الأرصاد التي جمعت في غضون 52 سنة. فبوب تلك الأرصاد، وجعل لها فهارس وجداول تبين حركات الكسوف والخسوف وحساب السنة، فكان حسابه للشمس 365 يوماً و6 ساعات و15 دقيقة و41 ثانية، حساب دقيق للغاية. أما زميله كيدنو (كان حياً سنة 379 ق.م) فقد صنع جداول وحسابات لحركات عدد من النجوم، فكانت على جانب من الدقة التي تعادل ما هي عليه في العصر الحديث.