دينا سليم
ذات صمت ارتجلت أغنية
ولمست باب الهوى بأمنية
وطرقت جدار القلب خلسة
علني أكتشف تلك الأحجية
أذهب بكم اليوم إلى مدينة رائعة الجمال، «فيرونا» وتقع شمال شرق إيطاليا، لأخطو ذات طريق الهوى الذي زحف إليه العاشق روميو، وعلى ركبتيه حتى ليجد أن حب عمره عرف الموت له سبيلا.
أسرد عليكم حكاية مبللة بدموع الحب، لما فيها من منفعة ولهاث خلف الحقيقة المريعة.
عندما وصلت نقطة اللقاء، دخلت ساحة بأرضية مرصوفة بالحصى المستدير، أرض ملساء وناعمة، هي ذات الأرض التي أدوس عليها اليوم، ثابتة منذ القرن السادس عشر، وإذا النصب التذكاري لتمثال جولييت يظهر أمامي ليملأ قلبي فرحا ووجدانا، تمثال مصنوع من البرونز يعود لفتاة جميلة ترتدي ثوبا مغريا يكشف عن محاسنها، تلك التي ماتت منتحرة بعد قصة حب فاشلة… إنني الآن في منزل كبريات العاشقات! وقفت برهة أستجمع أفكاري، لكن انهالت على ذاكرتي بعض ما قرأته في هذه الملحمة، وأخذتني أفكاري نحو الحوار الذي جرى بين البطلين، جولييت في الشرفة وروميو يقف حيث تقف أقدامي الآن، حقيقة، وهي أنني لم أتورع الصعود إلى بيتها والوقوف مكانها في الشرفة، سبب مبهم دعاني ألا أفعل، لكني عدت أبحث عن النص لأقرأه مجددا.
لقد كتب شكسبير مسرحية روميو وجوليت بين عامي 1593 و1596، واستقى الفكرة من أحداث حقيقية حصلت في المدينة ذاتها التي اشتهرت أيضا بحصونها وقلاعها التاريخية وأسوارها المنيعة، مستوحيا الفكرة من قصص مازوتشيو وباندللو الإيطاليان.
وقد استوحى شكسبير أيضا رائعته « تاجر البندقية» عندما أعدم ردريجو لوبيز، طبيب الملكة اليهودي، بتهمة قبول رشوة ليدس السم للملكة، ووقعت ألأحداث في «فينييسا» الإيطالية، أو البندقية.
وأضخم أعمال شكسبير، مسرحية «عطيل» التراجيدية التي تدور أحداثها ما بين البندقية وقبرص، المستوحاة أيضا من ملحمة إيطالية.
لنعد إلى مدينة « فيرونا» الهادئة الرومانسية، والتي زارها باولو كويلهو الكاتب البرازيلي أيضا، وقال فيها (من المستحيل المجيء إلى فيرونا دون أن نكتب شيئا).
لقد تأثر شكسبير من أعمال الذين سبقوه بشكل يفوق التصور، لكني أتساءل الآن، بعد أن زرت جميع الأماكن المدونة بين دفتي كتبه، وبالتوصيف الممل، وتجولت في جميع هذه الأماكن سابقا من خلال مؤلفاته، وأنا أسأل، كيف استطاع الخروج بهذه الأعمال وهو لم يزر إيطاليا نهائيا، أم زارها خفية ولم يعلم به أحد؟ هل سخر من قرائه كل هذه السنين، أم كانت روحه عالقة بين مكانين انجلترا وإيطاليا؟
لكن مهما تكون النتيجة، فبمجرد وقوفي أمام نهر المدينة الساحر (أديجي) تستوطن داخلي قصص وقصائد تستفز ذاكرتي، فكيف لي أن أنسى (فيرونا) وعشاقها الأبديون. وبعد البحث والتنقيب خرجت بنتيجة أن شكسبير لم يزر إيطاليا نهائيا، لكنه عبقري العصور.