ثمة شيء يثير الضحك فعلا، ذلك الاعتداد بالنفس الذي عليه غالبية الرجال، عندما ينتظرون مقابل كلمات الإعجاب التي يطلقونها عبر رسائلهم الافتراضية أن تبادليهم حبّا بحب، أو إطراء بإطراء، و إلا لن تسلمي من قذارة مفاجئة تمسح أثر العسل المنكبّ تحت صورة نشرتها !
*****
أُشفق عليه هذا الطراز من البشر، يضطرني إلى ممارسة رياضة الرّكل من الخلف، طريقة تعلّمتها من جدتي، حين لا ينفع التّجاهل و الصّمت أمام ثرثرة متنامية كدخان مصانع.
ليس مستغربا أن يتعامل العقل الذكوري مع المرأة المثقفة بما سمّيتهُ “ السقطة العلمية أو النشاز ، بلغة الموسيقى، كأنْ تشتعل افتراضيا فوانيس شهوة فوق رؤوسهم العالقة !
عقل يمارس الغواية، تماما كعرّافة تمارس التطبب !
*****
بالمناسبة يستفزني كثيرا مصطلح الدعارة الثقافية، فهو مصطلح يجعلك ترى الثقافة شارعا ملتويا كجسد امرأة هوى، به بيوت متراصّة تقف أمامها كاتبات نصف عاريات من الموهبة. ينتظرن استكمالها من وراء حجاب !
هكذا يشتغل العقل الذكوري عند بعض الكُتّاب العرب، عقلٌ يُؤنّث الدّعارة و يجعلها شأنا يخصّ الكاتبة دون سواها، تماما كسوق النخاسة الذي تباع فيه المرأة و تُشترى لمآرب كثيرة.
عقل ذكوري يستبطن النّقص في المرأة، كأّنّها طبيعة فُطرت عليها. إيديولوجيا كاملة لا تراها إلا ناقصة عقل و دين و موهبة !
إن تفوّقت امرأة كاتبة و ذاع صيتها لا يرجع ذلك إلى نبوغها و اتّقاد موهبتها المحضة و إنّما يلازمها سوء الظنّ بأنها لا شك قد مارست “ العُهر” لاستكمال نقصها الإبداعي !
يلاّ، لا بأس أن تكوني داعرة في النص، مثيرة و مستفزة كبغيّة ! تعرّين المسكوت عنه بلا خجل و تنظرين في عين مدّعي “الكمال” قائلة : “ أنت أيضا “ داعرٌ” يا فحْل الكتابة !
فُحولتُك خارج النص هي من تصنع داعرة خارج النص ! “.
*****
كنتُ مشاركة في أحد الأمسيات العربية بتونس و كنتُ جالسة بين مسؤول ثقافي و شاعر عربي يبدو لا حدود لجاهه و سلطته !
قال الشاعر للمسؤول : كيف لم أر شاعرتنا النجمة في ملتقى السنة الماضية، لمّا كنت ضيفا عليكم ؟ فردّ عليه المسؤول بلكنة مصرية لا يتقنها : “ انت تُؤمرْ !!! “ فالتفتّ له قائلة : “ اها !!! لم أكن اعلم أن اختياراتنا الثقافية الوطنية تؤخذ من الخارج !
مشهد تحرّش ناعم و مغلّف بمزاح سمج، لداعر ثقيل الدم و قوّاد !
*****
يالهذا الإرث الثقيل الذي نحمله على ظهورنا ، لو لا أصباغ الشعر و ألوانها المشعّة لاشتعلت رؤوسنا شيبا على الملا ! يقول لك : قال شيخي ابن عربي : “ مكان لا يؤنّث لا يعوّل عليه “ صدق شيخ العارفين و كذب هو.
بمناسبة الحديث عن الإرث دار حوار بيني و بين صديق يساري الهوى، حداثيّ التفكير حول الجدل القائم في المساواة في الإرث أو هكذا كانت نظرتي له ردحا من الزمن، فتفاجئت باستماتته في الدفاع عن نصيبه الشرعي في الإرث، مبديا شراسة في تجميع الحجج و البراهين ذات المرجعية الدينية على وجاهة موقفه. ما أثارني في المسالة ليس رأيه في حد ذاته و إنما كيف يشتغل العقل عنده و هو اليساريُّ أو الأقل كيف يشتغل العقل العربي بشكل عام؟ عقل رغم حداثته البادية عليه، يُخفي تجاويف و حفر معتّمة، خلايا نائمة لبداوة في بُنى التفكير، لا تستيقظ إلا بمثير أو مستفز يصدّع قشرة الحداثة ليطفو اللبّ المتخلّف على السطح !
اكتشفت أن هذا الجدل حول الإرث ليس قائما فقط بين متمسكين بحرفية النص الديني و بين دعاة الاجتهاد، فهذا أمر معلوم و إنما هي معركة أيضا تُخاض باسم المصلحة المادية والمنافع خاصة و لا يهم إن استند العقل المدعي للتّحرر في مواضع عديدة أن يستند في مواضع أخرى إن لزم الأمر على الايدولوجيا أو المرجعيات الدينية للدفاع عن مصالحه.
ابتسم صديقي بعد أن تفطّن لحماسته الزائدة التي جعلته يتكلم دون توقف و عيناه تسألانني على صمتي،
فقلتُ له : “ لا نص يُفهم خارج لحظته التاريخية “ و غيّرتُ سياق الحديث بمزحة عابرة !