كيف تبدو صورتنا في مرآة الآخرين؟
المشاهير أكثر عرضة للقلق من إهتمام الناس بهم
نهى الصراف
يهتم أغلب الناس بمظهرهم، طريقة كلامهم وتعاملهم مع الآخرين، كما يبالغون في حذرهم إذا تطلب الأمر التعبير عن آرائهم في موضوع معين وربما يخضعون اختيارهم لنوع دراستهم أو مهنتهم، بما يتناسب مع المسلمات الاجتماعية ونظرة الآخرين المتدنية إلى تخصصات أو مهن معينة. يحدث هذا بصورة غير واعية، حيث يسعى البعض إلى تحسين صورتهم في مرآة المجتمع والسعى لنيل رضا أكثر عدد ممكن من الناس، في خضم اختيار غير حر يملي عليهم التكيف ضمن قالب معين قد لا يأتي على مقاس رغباتهم. فهل يستحق الأمر كل هذا العناء؟ وهل يتوجب علينا بالفعل أن نولي كل هذا الاهتمام لما قد يعتقده الآخرين عنا أو لكيفية انعكاس صورتنا في مرآتهم؟
ترى جينيفر كلوميز؛ المتخصصة في علم النفس المعرفي في جامعة فلوريدا الأمريكية، بأننا جميعاً مهتمون بصورتنا التي نظهر فيها أمام الآخرين حيث ينتابنا القلق من أن لا نكون بمستوى توقعاتهم، إلا أن خوفنا هذا يجب أن لا يتحول إلى هوس وحمل كبير يثقل كاهلنا فالمبالغة في محاولة تجميل مظهرنا وسلوكنا إرضاءً للناس قد لا يحمل سمة الواقعية، ولعل رضا الناس (والناس جميعهم) غاية لا تدرك. في الوقت ذاته، يجب أن لا نوسع دائرة اهتمامنا بالآخرين بل أن نقصر اهتمامنا على أفراد يشكلون أهمية معينة في عالمنا الداخلي ويلعبون أدواراً مهمة في حياتنا؛ كالدائرة الضيقة من معارفنا وأقربائنا، زملائنا في العمل وربما أصدقائنا المقربين.
هذه الأولويات قد تختصر قلقلنا برمته، وبعض الأمثلة من حياتنا اليومية يمكنها أن توضح بأن قلقنا هذا لا مبرر له عندما يتعلق الأمر بعامة الناس في الشارع مثلاً، فإذا كنا في عجالة من أمرنا ورغبنا بشراء سلة طعام بسيطة من المتجر الذي يقع في الشارع المقابل، فلا يجب أن يشكل مظهرنا أو هندامنا وطريقة ترتيب شعرنا أهمية تذكر، حيث لا يمثل المارة الغرباء أي أهمية تذكر في حياتنا وهو ما يوفر لنا حرية الإنفلات من الأطر التقليدية في الظهور بمظهر الكمال في جميع الأوقات والأماكن، في حين يختلف الأمر عندما نخطط للذهاب – مثلاً- إلى مقابلة عمل؛ إذا يسهم هندامنا وسلوكنا في الحديث في تعزيز موقفنا وتحصيل فرصتنا في الحصول على الوظيفة المرتجاة. في حين، يقع العطف والحنان والاهتمام في مركز اهتمام شخص مقرب في عائلتنا كالأخ والأخت، في الوقت الذي لا يشكل فيه مظهرنا الخارجي أي أهمية تذكر في تقييمهم لعاطفتنا نحوهم، ويسري الشيء ذاته عندما يتعلق الأمر بزملائنا في العمل؛ إذ أن ما يهمهم أو ما يتوقعونه منا هو مدى تقديرنا واحترامنا لهم وتعاوننا معهم في العمل بصرف النظر عن طبيعة عواطفنا اتجاههم، فاحترام زميل العمل قد لا ينطوي بالضرورة على عاطفة حب أو عطف. لهذا، فالآخرين بدورهم قد يمتلكون مرآتهم الخاصة التي يتوقعون أن تظهر من خلالها صورتها ولكن ليست صورة كاملة في مجملها، بل الصورة التي يتوقعونها بحسب طبيعة علاقتهم بنا.
أما الانتقاد الذي يوجهه البعض لنا، ما يتعلق منه بسلوكنا الشخصي أو مظهرنا أو أدائنا في العمل، فقد لا يشكل أهمية تذكر إذا كان صادراً من الأشخاص غير المعنيين؛ هذا يعني بأن الغرباء لا شأن لهم في طريقة ظهور أحدنا بشكل معين أو طريقة اختيارنا للألوان مثلاً أو أنواع الطعام التي نفضلها ونحن نستمتع مع أفراد أسرتنا في تناول العشاء في مطعم ما. مرة أخرى، ترى جينيفر كلوميز بأن قلقنا قد لا يكون له أي مبرر إذا ما تلقينا انتقاد يخص شخصيتنا أو سمة من سماتنا أو سلوكنا في موقف معين، من قبل أشخاص لا يشكلون أهمية تذكر في حياتنا فضلاً عن ذلك، فإن خضوعنا تحت طائلة انتقاداتهم – التي تكون غير منطقية غالباً- قد يهز ثقتنا بأنفسنا واعتزازنا بذواتنا.
ويرجح متخصصون في علم نفس الشخصية، بأن المشاهير هم من الناس هم أكثر عرضة لهذا النوع من القلق؛ فمحاولة ظهورهم بمظهر لائق على الدوام واختيار كلماتهم بدقة متناهية في حديثهم العام وطريقتهم في السعي للكمال قد لا ينبع من فراغ، فدائرة معارفهم واتصالاتهم أكبر بكثير مما يعتقد البعص وبالتالي، فإن أغلب الناس من جمهور ومقربين يدخلون في دائرة اهتمامهم هذه، وهذا هو الذي يهيء أرضية خصبة لإصابة هؤلاء بالمرض النفسي أكثر من غيرهم.