بقلم رئيس التحرير / وديع شامخ

  تعاني المجتمعات العربية من  شيوع الغموض في تحديد المصطلحات والمفاهيم وموضوع  اشتغالها في الحقول الاجتماعية  والثقافية  والفنية معاً ، وهذه الضبابية جاءت من عوامل متعددة سأناقش احدها هنا، وهو حلول وإضفاء ثقافة عفا الله عما سلف السلبية،  والتي تعني الهروب من المراجعة الشاملة للمراحل السابقة ومسؤوليتها في تحمل الخراب الحالي، أشخاصاً وجماعات وافكاراً معا الى جانب عدم فحص المصطلح وتوظيفه بدقه وإرجاعه الى حقل اشتغاله الدقيق المراجعة الشاملة لا تعني نصب المشانق في الساحات العامة، ولا مصادرة حرية الفكر للآخرين بقدر ما هي  تحليل العوامل الأساسية التي آلت اليها أحوال هذا البلد آنذاك نتيجة لشيوع وسيادة سلطة  وثقافة سابقة على مصائر المجتمعات،  لأنه دون تشخيص دقيق ومراجعة شاملة لا تحصل نهضات نوعية ولا تقدم ملموس على كافة مناحي الحياة فاستمرار الأخطاء وتكرارها يبقي المجتمعات في حالة من تكرار البدايات، والرجوع الى نقطة الصفر، وهذا انتحار مجتمعي وانهيار لرؤية مستقبلية للحياة

…………………………..

المجتمعات  الغربية لم تصل الى هذا المستوى وكذلك  بعض الدول الأسيوية كاليابان مثلا ،  لولا المراجعة الشاملة ووضع الحلول الواقعية لبناء حاضر مستقر لمستقبل مزدهر، أما عن المصطلح فسأكتفي بمثال عن شيوع مصطلح التسامح بوصفه حلاً سحريا ، ولكني أرى ان هذا المصطلح يشير الى ثقافة القوة  لوجود طرفين أحدهما قوي يسامح الطرف الضعيف وآخر مذعن له ،  لذا أرى أن نستبدل هذا المصطلح المنزوع من حقل  ديني مخصوص  وإسقاطه على الحياة المجتمعية العامة، والأولى شيوع مصطلح التعايش الذي نشعر به بكامل آدميتنا وحقوقنا المتساوية في مجتمع مدني ديمقراطي متعدد يحكمه دستور يسن من قلب المجتمع  ليمثل. العقد الاجتماعي الأشمل لصياغة الحياة بشكل انساني متوازن وضمان التعايش الإنساني للجميع.

…………………………

ولأن الحياة لها تمظهرات متنوعة ، ولاشك أن الثقافة تعد الحقل الأكثر حساسية للتعبير عن مدى تطور المجتمعات ، وهي بمثابة البارومتر العميق لقياس درجة رقي  المجتمعات وتحضرها ، ستجد أنها تعاني أيضا من وجود المثقف ، أو الفاعل الثقافي الديناصوري ، والحرباوي « من الديناصور في قدمه زمنيا والحرباء في الونها « ، فهذا  الفاعل يستطيع أن يؤدي  الأدوار بحسب تقلّب الأجواء والأسعار فكرياً  وثقافياً، وله بوصلة ماهرة  وزوايا نظر حادة لشم الخاصرة الرخوة  لركوبها موجة جديدة ، ولعل غياب المراجعة الفكرية الشاملة وفرز الغث  من السمين، بناءً  على مفهوم عفا الله عما سلف والتسامح ، سوف يذهب العصا الغليظة في عجلة الحياة الفكرية والثقافية  وشل طاقة المبدع  وتحجيم دوره وتهميش الإبداع  لوجود طفيليات تعمل دائما على إمتصاص  الطاقة  الايجابية وحرفها عن مسارها الصحيح .
لذا فلا يستقيم العفو  ولا التسامح  مع  الشريحة التي تلوثت ، وصارت ظاهرة خطيرة على  المجتمعات بسمومها الفكرية  وطاقات السلبية في إنتاج  الكائن المعاق فكريا وثقافيا.

وضع الأمور في سياقها الصحيح  من خلال  تحديد  المفاهيم والمصطلحات النظرية والعملية  وتعريف المثقف والمبدع والنتاج الفكري ومجالات إشتغالتها ، سوف يجنبنا  الوقوع في إزدواجية  التوصيف النظري والتطبيق العملي للمثقف وحقله وفضاء إشتغاله .

…………………………..

والفن أيضا من  أوجه الحياة  وركنها  البهي ، فلا بد من وجود مبدعين قادرين على صناعة الجمال صوتا ولحنا وريشة وأداء وكلمة ، ومن أجل صنع  الجمال فلا بد للقبح ومن يمثله ، والنشازات ، أن تكون خارج سرب الهارموني ، ولابد لحقل الفن أن  يكون  بلا زؤان  وشوائب تلوث  خضرة روح الجمال  وأداء الفاعلين الحقيقييين .

…………………………..

الحياة تنتصب  بحقول معافاة ،  وفاعلين قادرين على صناعة المشهد الحياتي ، مستوعبين لشروط اللعب في الحقول ، ويمتلكون مهارة الصانع المبدع ، متوافرين على ذهن  متوقد ومتجدد ، لا علاقة لهم بالخلط المفهومي  والمصطلحي ، فحين نتوافر على مثل هذه البيئة، نكون قد أوقفنا نزيف  وثمن الضبابية  والخلط وشيوع انماط وسياقات  بواسطة فاعليين سلبين غير قادرين على صناعة  الجمال، وستكون الحياة  واضحة  وبلا تعويم  للمعنى  .