كيف تستقيم الحياة دون جمرات متصلة  في موقد اليوم ؟
كيف يستقيم الوهج بلا  ذاكرة  ؟
كيف نقبض على جمرة الضوء من ظلمة  التقويم ؟
نضع أرواحنا قبل أجسادنا على عتبة عام جديد ، أنجزنا الماضي  بكلّ خفة وكسل ، بكلّ نشاط وأمل ، بكل هفواته  وكماله. اليوم يومنا، لا أحد يصنعه لنا ، ولا أحد يقطفه عنّا. نحن  حرثه وزرعه وقطافه ..
نحن أبجديته ، ولسانه، وسبورته الماثلة على الذاكرة  والواقع ، على الأصابع وهي تغزل الأيام  خيمة .. بيتاً  آمناً لنا .
……
لحظة  التنوير لا تأتي  بهبة مجانية ، ولا بقرار رسمي،  إنها لحظة روحية عالية ، تتشابك فيها  الإرادات ، وتتشظى الأمنيات ، لصنع مثلث  الحب ، وهرم المعرفة ، وقلادة  الحياة .
……
الحياة ليست  شوطاً واحداً، ولا مباراة نهائية ، ولا قصيدة عصماء  َتسكب  ماء وجوهها   في حضرة  الملوك والأباطرة
الحياة ليست فعلاً ماضياً ، أو مضارعاً ،  أو رجاءً مستقبلياً .
الحياة شروق دائم ، لا أرباب لها ، لا أصنام ..
…..
من لحظة البدء في تقويمنا  الميلادي الجديد، ودّعنا عاما ً بكلّ ما حملّ الجمل .. وورثنا  الحقل  بلا خضرة .
كيف نؤثث حياتنا في بريّة العالم ؟
كيف  نلمس جمرة  الحياة في القادم  المجهول؟.
…….
الحياة  ليست لحظة، والعمر الزمني لنا غير مخصصّ للإقامة  الدائمة .. صراع ،جدل ، حوار ،  كشف ، تقصٍ، صيرورة قائمة على  قيمة الوجود الإنساني في حياتنا المتجددة، الحياة التي لامكان للإلتفاف فيها للوراء، ندمٌ أو حسرةٌ  أو إرتداد.
قانون الحياة العام هو التواصل، التجدد،  البحث عن الجديد ، التنوع  ، الفرح ، السلام ، المحبة ، التعايش ، الإبتكار العلمي والتكنولوجي، العلوم الإنسانية والتطبيقية البحتة ، الجمال  في الفن والأدب والتشكيل والموسيقى والعمارة  والفلسفة ..
…….
الحياة سمو وارتقاء ، نبل وفروسية، صفاء ذهن ،  بحث  دائم حول قيمة الإنسان الحقيقية على  كوكب الأرض، رفض للعبودية ، الإضطهاد ، الحروب ، القتل ، التدمير ، الظلامية ، التطرف ، الإعتدال الكارتوني ، التشرذم ، الأدلجة  وغسيل الأدمغة ،  عودة الحياة الإنسانية الى القرون الغابرة، تجارة الرقيق  الأبيض، مسخ الهويات ، إنتهاك حقوق  الإنسان المختلفة ،.
كل هذا النسق الصاعد في الحياة الجديدة لا يمكن أن يستمر في الإخضرار دون حاضنة فكرية إنسانية، شخصية ومجتمعية  قادرة على إنتاج هذه المنطومة الفكرية ، الجمالية ، العلمية ، العملية .
لا يمكن للحياة  أن تحتفل بتقاويمها الجديدة ،عصرها الذهبي، جوهرها الإنساني ، دون وجود خطط قصيرة الأجل وإستراتيجيات  بعيدة النظر للدول  والمجتمعات ، مع  حضور إرادة  بشرية  فاعلة ، قدرة على الخلق والإبتكار ، تربية إجتماعية  وطنية ، تحفيز إيجابي ، قبول متبادل  وإنتماء مشترك لفكرة  البناء والتطوير والتحديث ، ملاحقة العلوم  وحقول المعرفة الإنسانية في كل ما تنتجه من حديث لخدمة الإنسان والطبيعة معا ً.
كل هذا يساعدنا على فهم طبيعة العقل البشري  في نظرته لأخيه الإنسان في المجتمع وحقه المصان في العيش بكرامة وحرية ورفاهية ، ونظام ديمقراطي . ونظرته للطبيعة  بوصفها الأخ الأكبر للإنسان وحاضنته الأمينة وسر وجوده الأول .
……
لو أعدنا السؤال ثانية ، وبطريقة أخرى ، من هو القادر على تحقيق  كل هذا الثراء الإنساني والمجتمعي والطبيعي ؟
َمنْ هو المؤهل لحمل هذه الرسالة  الكبرى ، والتي تفوق كلّ رسالة  ذات طموحات محدودة وآفاق شاذة ؟
َمنْ هو الذي يقبض على جمر الحياة متوقدة أبداً؟
َمنْ الذي يواصل حمل شعلة ماراثون الحياة دون إلتفاتة سلبية الى الوراء ؟
لا شك أنه الإنسان  الخارج من لحظة التنوير الجمالي .

وديع شامخ