مارسيل منصور
أود أن أبدأ بكلمة الشكر إلى كل الذين حضروا ومازالوا يحضرون من أجل زيارة المعرض الفني ، والوقت الثمين الذي يقضوه في التأمل في الأعمال الفنية والمناقشة وتبادل الآراء . ولهؤلاء البعض الذين ما زالوا يستفسرون عنه وفي نيتهم زيارة المعرض ، فأحب أن أعطي فكرة مبسطة عنه من أجل الإلمام به قبل الذهاب لحضور برنامج “حديث الفنان” المخصص في يومي الأربعاء 11 و 25 فبراير شباط ، الساعة الحادية صباحاً .
معرض “ثريشهولد” هو عبارة عن وحدات ضوئية مثبتة ، هي بمثابت لوحات فنية يشع منها أنوار خفيفة وخافتة جداُ ، هذه الأنوار تتلون في ظل حركة ديناميكة دائبة ، وبالتالي تظهر فيها رسومات ، كما وأنها توحي بالتغيير . هذا و قد استعملت الضوء نفسه من أجل الكشف عن الحقيقة اامستترة في حضور النور كرمز للمعرفة .
المقصود بالعنوان هو “ نقطة التحول “ أو فترة الإنتقال عندما يحدث التحول للفرد منا من الأعماق ، إذ ننتقل من العالم القديم إلي الحديث ، فنتغير من الداخل – أي روحياُ وفكرياً – وقد يحدث هذا عندما نترك العنان لأنفسنا لنكون في حالة استرخاء و تأمل إلى أن نصبح في حالة استعداد لأن نشارك في العمل المستمر من أجل حياة افضل .
أما عن الدوافع التي دفعتني لإنجاز هذا العمل الفني فهي متعددة أذكر منها بإيجاز ، الأوضاع السائدة في العصر الراهن من الحروب المستمرة ، الإبادة الجماعية ، العنف ، الإرهاب ، الإضطرابات ، التعلق في الماديات ، تدهور القيم ، اهتزاز المعايير، اختلاط المفاهيم و تشويه حقائق التاريخ إلى غير ذلك ، كل هذا وأكثرأصبح يهدد السلام والأمن في العالم . هذا العصر المضطرب الذي يعيشه الفرد منا أو العائلات أو المجتمعات والأمم أصبح يهيمن على مشاعرنا ، على أحاسيسنا وعقولنا وطريقة عيشنا ، وكأننا نعيش اليوم في ظلام حالك ، حتى أن ساسة العالم أنفسهم أصبحوا محتارين في أمرهم : كل هذا جعلني أفكر في العمق ، وأعتقد أنه لا بد وأن يكون هناك بعض الحلول ، وربما كان على رأسها، التغيير الجذري السياسي والإجتماعي من أجل الإصلاح و العمل على إيجاد حياة أفضل ، وبالذات إنهاء الحروب وتحريرالشعوب المحتلة والمقهورة من أجل ميلاد إنسانية حقيقية .
وربما يراود القارئ بعض الأسئلة عن أهمية الفنون في حياتنا وهل من الممكن أن تلعب دوراُ فعالاً في تغيير الأمم والشعوب ؟ وكيف يمكن تحقيق ذلك ؟ فأستطيع القول هنا بأنه لا شك في أن الفن له صوت مسموع على الصعيد السياسي والإجتماعي ، وأن هناك كثير من الأمثلة في التاريخ تثبت لنا أن الفن هو محور ومركز أساسي و له دور فعال في التأثيرعلى المجتمعات وتهذيب الشعوب . فالفنون بأنواعها هي ثقافة بحد ذاتها ، والثقافة ماهي إلا دلالة على الرقي الفكري والأدبي والاجتماعي ، وبالتالي فهي تعمل على إحداث التغيير في العالم سواء أفراد أومجتمعات ، لأن الجميع أصبح يعاني اليوم من الشروخ والجروح التي يصعب تضميدها والتئامها ، حتى أن مفاهيم القيم الأصيلة قد فقدت مع الزمن . فثقافة الفن الهادفة هي ليست مجموعة من الأفكار فحسب ، ولكنها نظرية في السلوك وفي الأحاسيس والمشاعر ، مما يساعد على رسم طريق الحياة إجمالا ، لأنها تميز الشعوب والأمم عن بعضها ، من حيث العقائد ، القيم ، المبادئ ، السلوك ، المقدسات ، القوانين والتجارب وما شابه ذلك . و إجمالا فإن الفنون هي ثقافة كما وهي أيضاً فلسفة حياة .
لذلك فرأيت أن أطوع الفن لخدمة الإنسانية بوجه عام حتى يساعدنا على أن نتجدد ونجدد ، وأن ننتقل من القديم إلى الحديث – وهنا أقصد القديم البالي فقط – وليس الجيد .
ولذا ، بكل بساطة فأن ألتأمل و إمعان النظر في طبيعة النور في جو هادئ ومريح وبعيد عن ضوضاء مشاكل الحياة المعاصرة وأتعابها ، لهو في غاية الأهمية ، عندما يتأمل الإنسان منا في هذا المحيط – في حالة استرخاء – سيتاح له فرصة الإستلهام والإلهام عن طريق الإدراك الحسي والفكري معاُ ، فيمكن في هذه اللحظات النادرة أن يفكر الواحد منا روياً في نفسه وفي العالم من حوله ، فيعيد التفكير ثم يعيد التقييم في الماضي والحاضر من أجل المستقبل ، وبالتالي تتكون عند الفرد رؤية جديدة بمنظار جديد ، يمكن أن تعطيه النظرة العميقة والبصيرة الثاقبة في شتى الأمور الحياتية ، فيرى عندها نفسه والعالم بعين العقل . ولذلك يستطيع أن يغير من نفسه ومن العالم من حوله ، هذا الإقبال التلقائي القادر على التغيير هو نابع من التجديد الذي يحدث للفرد روحياً و فكرياً وحسياً ، وبالتالي سوف يؤدي إلى ولادة إنسانية جديدة من حيث الفرد أو العائلة أو المجتمع أو الدولة . إنها بالتأكيد تجربة حية يمكن أن يعيشها الزائر والفنان معاً في لحظات تأمل أشكال وألوان النور المتحركة وهي تتغير فينعكس هذا كله على إدراكنا . وهذه بعض من كلمات الشعر التي تعكس ما أقول وما أصبوا إليه.
تعالوا معاً
تعالوا نتحول … ونحول
تعالوا نتغير … ونغير
تعالوا نستلهم من شعاع النور السرمدي
نتأمل في عمق خفايا الأسرار المجيدة
نعيد التفكير في الماضي والحاضر
لنكشف عن رؤية جديدة
بمنظار ناصع حديث معاصر
تعالوا …. معا
نعانق جداول المحبة
نوجد إنسانية حميمة
ونعلن ميلاد الحرية و السلام