سهير آل ابراهيم
الاحتفال باعياد الميلاد، يبعث في النفوس مشاعر الدفء و البهجة، فتفيض القلوب بالمحبة والعطاء
تحتفل الشعوب في العديد من دول العالم بذكرى ميلاد السيد المسيح عليه السلام، حيث تمتد الطقوس الاحتفالية عبر معظم أيام شهر ديسمبر، فترتدي المدن حللاً من الأضواء و الألوان، لتُغني أجواءها بفيض من البهجة و الحبور.
هنالك طقوس احتفالية مختلفة، تتباين من بلد لآخر، و لكن هناك أيضا عادات و ممارسات و رموز متشابهة فيما بينهم. منها على سبيل المثال شخصية بابا نوئيل، أو سانتا كلوس؛ ذلك الرجل المسن ذو الوجه الضاحك و اللحية البيضاء الطويلة، و الملابس الحمراء، الذي يحيل احلام الأطفال الى حقيقة، حيث يعتقدون انه يطير على زلاجته من بلد لآخر موزعا الهدايا عليهم!
تروي بعض المصادر ان شخصية سانتا كلوز مأخوذة من شخصية حقيقية، و هي شخصية القديس نيكولاس الذي ولد عام ٢٧٠ للميلاد في قرية تقع على الساحل الجنوبي لبلاد الأناضول؛ تركيا الحالية، و التي كانت بلادا إغريقية آنذاك. كان نيكولاس وحيد والديه الثريين، و الذين ربياه على الإخلاص للديانة المسيحية، و قد فارقا الحياة عندما كان فتى صغيرا.
اطاع نيكولاس تعليمات السيد المسيح المتعلقة بمساعدة الفقراء، فقام بتوزيع ثروته على المرضى و الفقراء و المحتاجين، و قد كرس حياته لخدمة معتقده حتى أصبح اسقفا و هو لا يزال شابا في مقتبل العمر.
تذكر الحكايات ان له الكثير من الكرامات و التي جعلته قديساً، حيث يعتبر حامياً للأطفال و البحَّارة بشكل خاص. يقال ان صلاة البحَّارة اليه اثناء العواصف كانت تنجبهم من الغرق!
حرص نيكولاس على توزيع امواله سراً، دون ان يراه احد. و قد سمع عن رجل له ثلاث بنات لا يستطيع تزويجهن، اذ كان التقليد السائد آنذاك ان يدفع والد الفتاة مبلغا من المال لمن يتقدم لخطبة ابنته، و لم يملك ذاك الأب المال الكافي لذلك. وضع نيكولاس كمية من المال في صرة صغيرة و أسقطها من المدخنة في منزل والد البنات. كان المال كافيا لزواج الابنة الكبرى. و كرر نفس الفعل ثانية، فتزوجت البنت الوسطى. أراد الأب ان يعرف مصدر المال، حيث بدأ يتوقع مبلغا آخر لزواج أصغر بناته، فصار يختبيء في المدخنة ليلة بعد اخرى الى ان رأى نيكولاس يلقي المال اليهم. و هكذا عرف أهل القرية مصدر الأموال التي كانت تصلهم من مجهول.
تقول الرواية ان كيس المال الذي القاه القديس نيكولاس سقط داخل جورب كان معلقا على جانب المدفأة لتجفيفه، و لذلك تقوم بعض العائلات في موسم الاعياد، و خصوصا العوائل التي فيها أطفال، بتعليق جوارب زينة كبيرة الحجم على جوانب موقد النار، يضعون بداخلها هدايا لافراد الاسرة، و خصوصا للصغار منهم.
من التقاليد الشائعة في النرويج قيام الناس بإخفاء المكانس في أماكن امينة في بيوتهم، و ذلك في مساء الرابع و العشرين من شهر كانون الاول؛ ليلة عيد الميلاد. يستند ذلك على معتقد قديم جداً، و هو ان الساحرات و الأرواح الشريرة تخرج في تلك الليلة و تسرق المكانس من الدور لتطير عليها! و لا يزال بعض الناس هناك يخبئون المكانس ليلة الميلاد.
اما في الفليبين فإن مدينة سان فرناندو تعتبر (عاصمة أعياد الميلاد)؛ حيث يقام فيها سنويا مهرجانا كبيرا في آخر سبت قبل ليلة الميلاد. يجذب ذلك المهرجان أعداداً كبيرة من الناس من ارجاء الفليبين، و من السياح من خارجها. و من أبرز مظاهر ذلك المهرجان المباراة بين القرى المشاركة فيه لصنع فوانيس دائرية عملاقة ملونة. قديما كانت تلك الفوانيس تصنع من الورق الملون و الشموع، و بقطر لا يزيد عن نصف متر. أما الان فصارت تُصنع من مواد مختلفة و بأحجام اكبر من القديمة بكثير.
مهما اختلفت مظاهر الاحتفال باعياد الميلاد، الا انها جميعا تبعث في النفوس مشاعر الدفء و البهجة، فتفيض القلوب بالمحبة و التسامح و يزداد العطاء و الوداد بين الناس.
ميلاد مجيد و كل عام و أنتم بخير.