غدوشات

شكّلت الأمثال الشعبية ظاهرة اجتماعية امتدت ليومنا هذا ولعل استمرارها دليل واضح على صدقها وهي في الغالب تأخذ شكل التعبير عن رأي فردي أو جماعي عائدا بنا إلى ماض بعيد نجهل تاريخه ونجهل قائله وأحيانا كثيرة نجهل قصته ولكننا نردده …

حقائق بعض الأمثال الشعبية :

في مناطق دمشق القديمة كنا نجلس بين الجدات المسنات فهن خير دليل لنا للتعرف على أصل الأمثال الشعبية وقصصها ..

عن الشحاذ قالت الحجة أم محمد : (شفناك فوق وشفناك تحت)  وسردت لنا القصة الطريفة :

قرع  أحد أهل الحاجة (أبعد الله السامعين عنهم ) باب بيت عربي كبير له شرفة صغيرة فخرجت سيدة المنزل من الشرفة لتنظر من في الباب فوجدت شحاذ ولما طلب منها بعض المال أو الطعام تحججت بعدم قدرتها على النزول قائلة أنها لو كانت (تحت) لقضت له حاجته ولكن ما باليد حيلة …

انصرف الرجل مقتنعا بتبريرها ولأجل الصدفة أتى بعد فترة من الزمن لنفس الحارة وقرع الباب ذاته ففتحت له المرأة وقبل أن يطلب أجابته لو كنت فوق لأعطيتك فرد عليها بسرعة بديهة ساخرة (شفاكِ فوق وشفناكِ تحت)…

وكان  للخوف مكان في أذهان القدماء فله حكاية زعمت الحاجة أم محمد أن أحداقها تدور في زمن الاحتلال التركي حيث هرب أحد شباب الشام من فرقة عسكرية تركية  إلى قرية نائية وبعد أن قصّ لمختار القرية حكايته أعطاه الأمان إلا أن جاء اليوم الموعود حيث شاهده (الظابطية) شرطة الأتراك وبالرغم من عدم معرفتهم به إلا أن خوفه وارتباكه الشديدين جعلاه يتوضأ باللبن بدلا من الماء حيث لفت غرابة المشهد نظر الشرطة فألقوا القبض عليه وسيق إلى الفرقة  بالإضافة إلى العقوبات كونه (فراري) وبعدها ذهبت تلك القصة مثلاً (لمّا شافو توضّا باللبن) …

قالوا عن الحظ العاثر:

والحظ العاثر وخسارة التجارة كان لها نصيب كبير من أمثال أجدادنا فهناك مثل طريف قيل عن (الخسران) وقليل ذات اليد وهي قصة طريفة جداً ومحزنة بأن معاً أخبرتنا عنه المعمرة أم عبد الصليبي وهي تبلع من العمر 86 عام.

بطل القصة رجل يعيل أسرة كبيرة ورزقه قليل دون وظيفة ولا مصلحة ولا حتى دكان فلم يجد أمامه سوى إعداد (الهريسة) وبيعها وهي نوع من الحلويات الشاميّة فأخذ ينادي بالحارة (أكلة الأكابر يا هريسة) هكذا إلى أن دنت منه فتاة صغيرة بعد منتصف النهار ساترة وجهها بملاءة سوداء، قال في سره الحمد لله الفرج قادم ولم يكد يرفرف قلبه من الفرحة حتى نادت عليه الفتاة أبي أبي جاءنا ضيوف ولا يوجد لدينا ما نقدّمه أمي تقول لك أرسل معي كيلو هريسة على الفور…

فضحك البائع بحرقة وقال بدلا من الربح خسرنا (خود هالزبون المرتب وسكّر)…

– الجيران وعادات الصيام

في كل سنة يزور شهر رمضان الكريم المسلمين بتعاليمه الحميدة وكرمه وقد اخترع المجتمع الشامي له عادات خاصة وغريبة و قالوا عنها في الأمثال:

(رمضان أوله مرق وثانيه خرق وثالثه لصر الورق) والمعنى ببساطة أن أول عشرة أيام تُستقبل بالطعام الدسم ذوالمرق واللحم والأرز و.و…

وثاني عشرة أيام تكون لشراء ملابس العيد فتمضي النساء معظم وقتهن في السوق (للكسوة و الحدوة) كناية عن الثياب والأحذية وأما العشرالأخير فيقضيه البائعون وهم يلفون البضاعة بالورق وهو طقس خاص برمضان من حلويات (المعمول –العجوة –الجوز –الحلو العربي من مبرومة وكول وشكور وشوكولا وملبّس وسكاكر ) وغيره

هذا في ما يخص رمضان وعن الصائم بذاته قيل (حاكي قليل الأصل ولا تحاكي صايم عند العصر )حيث تعتبر فترة العصر (التي تسبق آذان المغرب وقت الإفطار) ذروة الجوع عن الصيام وخصوصا الشخص المدخّن ذكر لنا مختار البرامكة الحاج أبو فهد انه في أحد الأيام الحارّة واللاّهبة في شهر رمضان اقتربت امرأة كبيرة في السن من محل خضار وبدأت تقلّب الخضار هنا وهناك وتوقع بعضها وتخرب إحداها وتسأل عن سعر الكيلو والنصف كيلو والأوقية إلا أن مل البائع الصائم منها وحذّرها بعدم الاقتراب من الخضار كي لا تفسدها  وهو سيخدمها بكل ما تحتاجه ، لم ترد عليه الحاجّة وبقيت تقبض بشدة على الخضار بكل دم بارد حاول البائع ضبط نفسه عدة مرات حتى سألها بماذا ترغبين من أين أعطيك خصوصا أنك تفحصت المحل كله ، أجابته بضحكة مستفزة أني لا أريد الشراء فقط أتفرّج وأضيع وقت ريثما يؤذن … هنا جن جنون البائع ولحقها بمكيال الميزان وهي تسرع  هاربة من غضبه وأطلقت عليه ذاك  المثل الشائع ولعل تلك المرأة نموذجاً فللأسف نصادف بحياتنا كثيرا من الأشخاص مستفزين جداً كقصة ثانية(رواها لنا المختار) عن الجار أبو توفيق الذي أتي نقمة على من حوله وكلما  سكن بجانبه أحد  يضطر لبيع المنزل بنصف ما اشترى  كي يرتاح من هذا الجار الظريف

مرت الأيام وعلق عروسان من حارة بعيدة في شباك جيرة أبو توفيق فقد جذبهم رخص البيت وبينما هم يرتبون المنزل لقضاء أول أيامهما سمعا طرق باب مخيف في أنصاف الليالي اندفع العريس بذعر وفتح الباب ليجد ابتسامة جاره تعلو وجهه ولما سأله عن سبب المجيء كانت الإجابة كي أبارك لك ياجاري ولوووو، تقبّل العريس المفاجأة السارة بروح رياضية ليتفاجئ في صباح اليوم التالي على طرق الباب بنفس الطريقة وحجة الجار كانت هذه المرة انه لم يقبل المباركة من الباب فقط  ولهذا جاء برفقة زوجته وأولاده الخمسة كي يشاركوهما الفطور بمناسبة العرس ظل الحال على هذا  المنوال لعدة أسابيع وأبو توفيق لا يفارق العرسان لا في الليل ولا النهار وبقي العريس ساكتا يحتمل سماجة جاره حتى طفح الكيل به ووقف في إحدى السهرات وقال له رجاء أخرج من المنزل أود أن أقول لك شيء على الملأ نادى العريس بأهل الحارة وقال السامع يعلم الغايب

(كوم حجار ولا هالجار ) …

مطرب محتال ينقصه الصوت فقط!

رغم الطرب الأصيل والمعاني الراقية التي كان يتمتع بها فن الزمن الجميل  وروعة الأصوات الرخيمة لكن لكل قاعدة شواذ وفي كل زمن لابد من بعض المتسلقين على مهنة الغناء محاولين  إثبات أنفسهم رغماً عن الجميع والمثل الدال على كلامنا هو ( دخول الحمام مو متل خروجه ) قد يبدو الأمر غير واضح والمثل لا يطابق الكلام ولكن قصة السيدة أم رأفت الباشا توضح معنى المثل ففي القديم كان في أطراف دمشق مغني لا يعترف بسوء أداءه ويعتبر نفسه شادياً رغم  مقابلة الجمهور له بالبندورة والخضار، سئم المطرب كره الجمهور له وفكر بخطة تجبرهم على سماعه والاقتناع به فاتفق مع صاحب الحمام الذي اعتاد الغناء فيه على إعطائه مبلغاً من المال مقابل إدخال الزبائن مجانا بحجة سماع مطرب جديد يوم الخميس مساءً وبالفعل حضر جميع أهل الحارة من الكبار إلى الصغار وعند تقديم المطرب صًعق الحاضرون أنه المغني ذاته ذو الصوت القبيح فأخذوا يهربون ولكنه كان هذه المرة فطن فدفع لصاحب الحمام مالاً إضافياً للوقوف على الباب ومنع خروج أحد وقال بصوته القبيح (دخول الحمام مو متل خروجه ) …

سر الخيانة بين العدس:

لا أتوقع أن أحد لم يسمع بالمثل الشهير (يلي بيعرف بيعرف ويلي مابيعرف بيقول كف عدس) مع العلم أن الكثير لا يعرفون قصته الحقيقة وما سر العدس في القصة؟؟؟

والرواية تزعم أنه بينما أبو عبدو صاحب البستان الكبير يتفقد زرعه ومحصوله وجد زوجته مع شاب في عمر ابنه بمنظر غير لائق خلف إحدى الشجرات وعندما أحس الشاب بوجود شخص ما التفت إلى الوراء ليجد الزوج أبو عبدو بوجهه وبسرعة البرق ركض وأخذ معه قبضة عدس من البستان وخرج للطريق العام والزوج المخدوع يلاحقه بكل طاقته وقد رفع العصا وهمّ بقتله سأل الناس ما الأمر فرد عليهم الشاب بخبث وهو يبكي ويقول أهلي جائعون ولا أملك المال فذهبت وسرقت قليلا من العدس كي أطعم أمي المريضة وأخوتي وفي قرارة نفسه يعلم تماما أن أحداً لن يصدق صاحب البستان فالدليل بيده …

وجميع من سمع رواية الشاب كره أبو عبدو تكلم عن بخله وقلة إحساسه بظروف الآخرين ، وأما  أبو عبدو شعر بقلة الحيلة وأطلق ذاك المثل من قلب محروق …

واليوم

ومع انتشار مرض كورونا الوباء القاتل أعفانا الله جميعا منه وابعده عنا وعنكم  انتشرت العديد من النكت والاقاويل المضحك المبكي للتخفيف من الرعب والفزع من هذا الفايروس كخسارة برشلونة في الكلاسيكو مع غريمه ريال مدريد(مو كل واحد طلعت حرارته بيكون معه كورونا يمكن بيشجع برشلونة)اذا هناك أقاويل يفرزها المجتمع بطبعه حسب نمط الحياة