وديع شامخ

تُعد الأزياء واحدة من سمات الشخصية الإنسانية  في المجتمعات المختلفة  في كل مناطق العالم ، إذ لا وجود لمعيار التقدم والتخلف في هذا الشأن ، فلكل  مجتمع خصوصية ما في زيه الوطني للرجال والنساء معا ، وان حدث إنفتاح نسبي  وتشابهت بعض الأزياء ببعضها، أو تلاقحت بالتأثير والتأثر، ولكني هنا أشير الى الأزياء التقليدية، التي شكلت علامات فارقة للمجتمعات الإنسانية .

إن الأزياء تعبيرٌ عن منظومة فكرية بدائية أو متطورة  يحملها مجتمع ما، تكون مكتفية بذاتها وصالحة  للإستخدام في ذلك المجتمع ، دون أن تكون لها بالضرورة أيّة فاعلية أو قبول  في مجتمع آخر ، وربما يصل  رفضها من  الآخر  الى درجة  العدوانية ، أو الاستهجان والإستخفاف ، ولكنها في جميع الأحوال تبقى تعبر عن فكرة إستعمالية وجمالية في مجتمع مخصوص.

………….

والأزياء محمول ثقافي أيضاً يطاله التجديد والتحديث والاضافة مع الاحتفاظ بهويته وطابعه الأصلي ، وهنا أذكر بأن المقالة لاتعالج  الموضات والصرعات المتجددة في عالم الأزياء  وما يقدمه المصممون والمصممات ودور العرض من أشكال وألوان عالمية لا تنحصر بمجتمع معين ، بل تناسب الأغلبية،  وهذه الأزياء تلاحق  الذوق والمواسم الجغرافية ونوعية المواد وسلسلة من الاشتراطات التي تلبيها لتصبح رائجة ومطلوبة  من  الرواد نساءً ورجالاً.

………….

الأزياء المحلية والتي تعبر عن هوية المجتمعات لا تحمل  أيّة وظيفة أخلاقية ما ، فالعامل الأخلاقي  نسبي في الغالب ، ولا يتم أخذه في الاعتبار عند الجميع بمعيار واحد ، فلو تتبعنا المجتمعات  الأفريقية وبعض من دول أمريكا اللاتينية  وغيرها سنجد أن النساء لا يرتدين  حمالة الصدر ، والامر مألوف تماما ولا يمثل أي خدش للحياء ، والذي يحمله المجتمع الشرقي الديني ، إذ يرى أن النساء عورة والعين فاجرة  والرجل شهوة ، ولا يتعدى أمر مجتمعاتنا الشرقية وبعض عقائدها الدينية الى تحريم السفور بل يتعداه الى تجريم الفاعل هنا وفي المجتمعات الآخرى !!

………….

تعد الأزياء رمزا لثقافة كل بلد وجزءاً من تراثه، وتختلف الأزياء من بلد إلى آخربحسب ظروفه المناخية، وكذا وضعه الاقتصادي ، فلا بد لهذه الخصوصية أن ُتحترم من الجميع طالما تم قبولها وتداولها من قبل مجتمعاتها ، فلا وصايا ولا عبودية في  عالم اليوم ، فلم يعد مقبولاً أن تكون عقيدة ما أو دعاة من دين أو أيديولوجية ما في مجتمع ما أن  يعلو صوتها للتكفير والأقصاء والقصاص من آخر لا يربطك  به أيّة وشيجة سوى وجودكما الإنساني  على الكرة الأرضية .

مَنْ الذي يخول رجل دين  أو مفكر متطرف الفكر ومغالٍ  للإنتصار الى منظومته الإخلاقية وقيمه ، لتعويم السقف الاخلاقي له ليصبح فضاءٍ واحداً ؟؟

كيف يمكن إلغاء هوية المجتمعات وتراثها  في أزيائها المحلية ، لتكون مادة للحوار عن حرمتها  أوجوازها من قبل  الآخر القصي؟

أنا أتفهم  من أين  تنبع هذه الأطلاقية  الفكرية ومنظومات التحريم والتجريم،   لأنها  تستند على ظهير فكري ، عقائدي يتميز بقدسية عند معتنقيه ، وهذه القدسية هي التي تشكل  المعيار الوحيد لقياس  وفحص صلاحية أفكار ومعتقدات وعادات وتقاليد وتراث الآخرين !!

………….

في المجتمعات المتعددة الهويات ، ترى خليطا  غنياً من الأزياء ، وبقدر ماله من خصوصية، فهو يحظى  بمقبولية مهمة  من الآخر ، إحتفاءً ومشاركة ، كما أن الأماكن تفرض أزياءها  الخاصة ، فلباس الحفل الرسمي  ليس مثل  لباس التسوق ، وكذلك لباس  البحر  يختلف تماما ً عن لباس العمل .

ونحن  نعيش  في القرن الحادي والعشرين ، وأفول زمن عجرفة الفكر وسواديته ، العالم في سباق مع الزمن للوصول الى أقصى درجات الرفاهية  والجمال ، ومن أهم معطيات هذا العالم  الفكرية هو قبول الآخر والتعايش معه واحترام الاختلاف ، مستعيدين بذلك كل الصورة البهية في كلّ التراث الانساني روحياً ومادياً ، ولكن غربان الأديان وممسوخي العقول  لا يزالون  ينعقون بقوة  مستخدمين  كل مخرجات الحضارة الانسانية في حقول الاتصالات المرئية والمسموعة والمقروءة ، ليبثوا سموم  أفكارهم  في تجريم الآخر المختلف في أزيائه عن تلك التي يفترضونها ،  أزياء العفة المقدسة !

………….

الإنسانية ماثلة للعطاء الدائم من خلال هذا الكرنفال الانساني الوجودي العظيم ، هذه الطاقة الخلاقة  بالتنوع المدهش ، بالألوان المحلّقة في سماء الجمال ، والأزياء واحدة من أجمل خصوصيات الشعوب التي تشكل بحضورها قيمة استعمالية وجمالية تواصلية ، هذه الأزياء هي التي تعلن بسخاء عن جوهر وجود المجتمعات المختلفة وقعاً والمؤتلفة صقعاً، إذ لا وظيفة  أخلاقية عامة لها ولا هي بيان جمعي، إنها الجزء من الكل  لمجتمعات تشكل لحمة الإنسانية في صورتها الأبهى .