من المقومات المهمة  لحياة المجتمعات البشرية   المتحضرة  أن تكون لها نظرة واضحة   للحاضر  وإستشراف   ثاقب للمستقبل   مع   حوار  فعّال ونقدي مع   الماضي بوصفه  مرحلة سابقة   تحمل في طياتها   ما يمكن  الاستفادة منه او طرحه  في عملية جدل    وفحص  دائمين…كما لا بد لهذه الشعوب من   ممكنات بشرية   قادرة على الإمساك بهذه  الرؤية  وصياغة برامج عملية لغرض  تطيبقها  على الواقع وحصد نتائجها   لصالح تطور الإنسان  وتعزيز  مكانته   بوصفه صانع الحياة وبانيها ومستخدمها  معا .

ولا تسعى الشعوب البشرية والفاعلين فيها الى تنميط   حياتها على أيّ نموذج مسبق  دون  المشاركة  في  فحصه والتفاعل   معه  نظريا  وعمليا  ، وهنا  تنشأ  النظرة الواقعية – العملية ، للبرامج   في مجالات  الحياة كافة  .

إذ  لا مجال لنشوء عقدة الخوف أو الإنبهار من الآخر وفي شتى الحقول  و التوازن  في الرؤيا  ينتج   البحث  الشامل والدقيق   لكل مفاصل برامج   مسيرة الحياة   الإجتنماعية   والنفسية والإقتصادية .. الخ . وتسير  الحياة بوتائر متصاعدة  دون الحاجة الى قفزات   أو  أبطال و رموز   بشرية كانت أم مادية.، هنا ينشأ  الفرد السوي والمجتمع المتوازن  والذي تحكم حياتهم  القوانين  والقوة المطلوبة للدفاع عنها  على المستويات الثلاثه التشريعية والتنفيذية والقضائية ، وتتحقق العدالة وفقا   لتقسيم  وفصل السلطات بحسب “  مونتيسكو”.

في الجانب الآخر من حياة المجتمعات   القلقة ،  المجتمعات  التي  تعاني من قصر نظر وعشوائية في تعاملها   مع الآخر  زمنيا ومكانيا ،  داخليا وخارجيا .

المجتمعات المنقسمة في شخصيتها  وولائها  نحو   ماكنة السلطة واشتراطاتها وبين  سلطة الدين  قوة العرف  الاجتماعي والعادات والتقاليد  أيضا   يكون المجتمع منقسما  والفرد متوزعا حيث  لا توازن ولا أفق مشترك للرؤيا  ، ومن  هذا الجو المحتقن  بالقلق   وفقدان الإستراتيحية العملية للحياة   ينشأ التمايز االخطير،    فتجد شيوع   صفات  غالبة على الافراد مثل “  الأعلم “  ، وصفات   للأشياء  ك: الاعلى :”  وصفات  للمجتمعات  للتمييز ك” الأفضل “

عدم التوازن الداخلي في توصيف الأشياء والكائنات سيقود الى خلل   كبير في التعامل مع الآخر  المختلف ، لا بوصفه ندا نتفاعل معه ونقيم معه حوارية الحياة الدائمة ، بل بوصفه   “ الأعلم ، والأعلى ، والأفضل “ ، ونحاول جاهدين  استنساخ هذه  الصفات   كي نسبغ على حياتنا   تصورا كارتونيا للتفوق و مضاهاة الآخر المتفوق !

فحين  نبني جسرا   أو برجا  نصفه بالأعلى   في العالم ، وحين نريد الحديث عن فضائل إجتماعية   نقول “ نحن الافضل “ ، وحين نريد اجترار تاريخنا الماضي  نتصرف وكأننا أساتذة مزمنين للعالم ونحن “ الأعلم “  !!

هذه النقصات ، الضعفات ، التخوفات ، هي التي تقف وراء تحجرنا  في التعامل مع الحياة الجارفة   لكل  شيء.

عقدة النقص    التي تسيطر  على الكائن المنشطر الولاء،  والدولة    العاجزة   عن  الإستفادة من تنوع   أعضائها   ستكون   عرضة   للزوال التدريجي  بحكم  قانون الفناء   الحتمي    للدول والإمبراطوريات   وفقا لمنطق  عالم الاجتماع الكبير “ إبن حلدون” .

ولكن إنهيارها  لا يكون  بشكل تدريجي ووفقا لأداور استحالة الكائنات والدول  في النشوء  والزوال ، بل أن  سقوطها  سيكون   مدويا  في حاضرها قبل  مستقبلها .

في المجتمعات المتعددة  الثقافات  والأعراق  والتي تتسم بحضارية  الفكر  ومدنية الحياة   تختفي مثل هذه العقد  الفردية  أو  المجتمعية ، ففي حديث مع صديق مهاجر   الى أستراليا   قال  :”  لقد  خرجنا من مطار سوريا   المتواضع  ، في ظل ظروف أمنية خطيرة لم نشعر  سوى بلحظة مغادرة الاجواء السورية   ، حتى هبطنا في مطار دبي الدولي حيث قضينا   يوما  هناك “ ترانسيت “  ولقد بهرنا تماما  بالفخامة العالية  للمبنى ، وكذلك بوجود خدمات   ممتازة ، وعندما حان موعد  الطيران الى أستراليا    قلت في سري  : انها فرصة ذهبية لأرى مطارا  من طراز أوربي  في  سيدني ، وحين حطت الطائرة في مطار سيدني الدولي ونزلنا من  الى باحة   المطار ، فقد صُعقت  من بساطة المباني  قياسا بمطار دبي 

وهنا  أوقفت صاحبي عن الكلام المباح  وحلم الليالي   الملاح ، قلت له : يا صديقي    أنت ستعيش في ظل مجتمع   وحكومة ودستو ر ، معافاة من عقدة التفوق   .. في الأعلى ، والأعلم ، والأفضل “