دينا سليم – بريزبن
من المعروف هو ومن خلال كل ثورة تبنى نظريات جديدة فكرية حيث يضع المفكرون أيدلوجياتهم لبناء هرم يؤسس لأفكار جديدة يستفيد منها المجتمع الذي يتوق إلى التحضر والذي ينشد أيضا إلى التغيير الحقيقي.
تتفق عقولنا المتحضرة بأن أساس التغيير يكمن في ثورة ثقافية حقيقية منها نحاول اللحاق بالأسراب التي سبقتنا إلى التقدم والمحلقة بالنجاحات في جميع الميادين، فثورة الفكر والعقل هما أساس كل تغيير ناجح، لكن كانت الصدمة كبيرة بتغييرات منظومات الحرية الفكرية إلى دينية بحتة تبحث في الماضي السحيق بينما العالم بأجمعه يبني من أجل المستقبل، وذلك عندما لاقت الثورات العربية رواجا حاسما من التيارات الدينية، خاصة في بلاد المهجر، حيث بدأ الدعاة بتنظيم حركات فكرية تقمع كل شيء اسمه حاكم وتبنّي منظومة الشرعية في الحكم وحتى سعى المتأسلمون جاهدين بتحقيق السطوة الدينية في المجتمع العربي داخل المدن الغربية الحاضنة له، لذلك رأينا أن نستمع إلى آراء بعض المثقفين العرب بهذا الشأن: اسحق قومي شاعر وكاتب وباحث سوري يعيش في ألمانيا قال: نعتقد أنه بالأساس عدم وجود انسجام فكري وثقافي بين المكونات المهاجرة خاصة في الآونة الأخيرة سيما مع مخلفات أحداث أفغانستان ثم العراق وما تطرحه الساحة الفلسطينية من توزع في الأدوار كما نجد تأثيراً لانتهاء حلم الأجيال العربية التي كانت منضوية تحت ألوية الأحزاب التقدمية والشيوعية والليبرالية وحتى العربية .فقد أصابها النكوص وبدأ موت البطل الثوري يبدو واضحا فنجد ازدياد شعبية الأحزاب الراديكالية على اعتبار أنها ردة فعل على الواقع العربي والشرق أوسطي بشكل عام لهذا نجد الجماعات الشرق أوسطية في مغترباتهم يلجأون للجوانب الدينية ويغيبون الفعل الثقافي الذي هو بالأصل أساس مشاكل الشرق.
الكاتب جمال جاف – سيدني، قال: المجتمعات الشرقية خامله ممزقة فكرياً واجتماعياً وفاقده التوازن والمعايير، متقوقعه في قالب من الجمود محصوره في ذاتها، هذه المجتمعات تتحرك ذهنياً وفكرياً لذاتها فقط ضمن أفق محدود لا تعرف التغير والتجديد، غيبي تؤمن بالغيب والخرافات وتتجلى في عقليتها الشعوذة والأساطير الخيالية البعيدة عن الواقع، تتغلف بثقافة الصحراء أو الكهوف المظلمة لذا تبقى في قالب من الجمود، وهذا ما تدفع بالسيكولوجية الفردية وعلى الجماعة أن تساير أو تتماشى مع الفكر الغيبي لتثبت ذاتها من خلال المثيولوجيا الشرقية الصحراوية لتغلف ذاتها بفكر مقولب بعيداً عن العالم المعاصر، فحاملي الفكر الديني والغيبي لا يقبلون الجدال والحوار العلماني الديمقراطي المعاصر لذا تبقى لذاتها فقط وتنتشر بسرعة الوباء لأن تلك الأفكار لا تنسجم مع الواقع المعاصر، مثال على ذلك هناك تبنى في المهجر مئات دور العبادة والجوامع وتصرف الملايين دون أن يفكر أحداً ببناء مستشفى أو مؤسسه علمية أو مركز للرعاية وما شابه، ولكن الكثرة الكاثرة لا تبخل بملايين الدولارات لبناء مسجد لتكوين جماعات عاطلة عن العمل تحت سقفها وبمال الحكومات والتي أوانا جميعا تحت سماءه ، لذا تغيّب الصوت الثقافي وتفاقم الصوت الديني بكل أشكاله لكي تؤثر على المجتمعات المعاصرة وتفقد موازينها فتشكل عرقلة كبيرة أمام التطور والتقدم.
الشاعر صلاح حسن ، العراق هولندا، قال:
يزداد التمسك بالقيم الدينية عند اللاجئين والمهاجرين لأنهم يخافون من تمزق الهوية في ظل الثقافة الجديدة التي يعيشونها في بلدانهم الجديدة لأنها ثقافة مختلفة تماما عن ثقافتهم الأصلية بحيث يشكل التمسك بهذه القيم عنصرا أساسيا للحفاظ على هذه الهوية . جميع المهاجرين أو أغلبهم يفعلون ذلك ومن كل الديانات إلا أن المسلمين هم الأكثر تشددا في ذلك، ويولون للشكل اهتماما كبيرا بينما يبقى الجوهر للاستهلاك المحلي . أما القيم الثقافية فهي ترف في نظر هؤلاء ان لم تكن حراما عند المتشددين منهم . المجتمع الجديد وهو هنا في أوربا أو أمريكا أو أستراليا مجتمع مفتوح ومتعدد الثقافات، لكن المهاجرين لا يستطيعون التأقلم مع هذه الثقافات بسرعة لأنها جديدة وصعبة ومنفتحة وحرة … الثقافة الحرة تخيف هؤلاء لأنهم لم يعرفوا الحرية بكونها تربية ولأنهم لم يستطيعوا التخلص من الثقافة البطريركية التي جلبوها معهم، لهذا تنشر القيم الدينية بين هذه الجماعات وتبنى دور العبادة من التبرعات التي تقدمها بعض الدول للحفاظ على الهوية، هذا التصور الضحل يفضح هؤلاء ويثبت أن هوياتهم هشة ولا تقبل الآخر ولا بثقافته التي تسمح بالعري على شاطئ البحر مثلا.