سينماعبدالكريم يحيى الزيباري
في الذكرى المئوية للحرب العالمية الأولى انطلق الفيلم في أغسطس 2014، بعنوان (الجبل الصامت The Silent Mountain/ Der stille Berg/ 2014) ويبدأ بحفل زفاف المهندس الشاب الإيطالي كالزولاري على الحسناء النمساوية ليزا جروبر يوم 23/5/1915 وأهل القرية غاضبون من هذا الزواج، والشاب أندرو غاضب لأنَّ شقيقته إليزابيث ستتزوج شاباً إيطالياً، وهنا إشارة إلى العداء القديم بين الشعبين، لكن الشاب أندرو الذي يكره الإيطاليين يقع في حب فرانشيسكا شقيقة كالزولاري، الحفلة في الفندق الذي بناه جروبر قبل عقدٍ من الزمان، يوقِّع عقداً مع العائلة الإيطالية لمد سكة حديد بين الجبال والحدود بين البلدين، وفي الحرب يتحول الفندق إلى مستشفى عسكري ويضيع مشروع السكة الحديد. والدة فرانشيسكا تريد أنْ تلحقها بالدير، وهي ترفض وتبكي وأندرو يراقبها. أثناء التقاط صورة يأتي طفل صغير فيصرخ بخبر من ورائهم يجعلهم جميعاً يلتفتون إليه ويلتقط المصور الصورة: إيطاليا أعلنت الحرب على النمسا في حفلة زفاف. ويصعوبة بالغة يتمكن كالزولاري من العودة إلى إيطاليا عبر الحدود المغلقة، ويُساق الشباب إلى الحرب، المُعَلِّم فريتز اينبرغر النمساوي الأكثر كرهاً للإيطاليين يُصاب بجرحٍ بسيط ويستحصل الموافقة على عدم العودة إلى جبهات القتال، ولأنَّهُ كان قد خطبَ إليزابيث فرفض والدها، يحاول ابتزاز ليزا وفرانشيسكا بتهديدهما بأنَّهُ سيشي بهما إلى القائد العام. كالزولاري يرفض نسف النفق تحت الجبل الذي يتخندق فيه النمساويون لأنَّه لا يعتبرهم أعداءه، ويذهب إليهم ليخبرهم بخطة التفجير، لكنهم لا يصدقونه، ثم يذهب إلى القرية ليرى زوجته التي أنجبت طفلاً وتراقبهم وهم يطلقون عليه الرصاص بتهمة التجسس، ويحاولون الإمساك بأندرو وفرانشيسكا فيهربان إلى الجبل.
الفيلم إنتاج مشترك إيطالي نمساوي أمريكي، وهو يمثِّل وجهة نظر الحكومات الرسمية اللاتي تريد إدانة تلك الحرب الغبية، لكن هذه الإدانة طالما كانت رسمية ستظلُّ ساذجة، تجاهلت العامل الجغرافي: على طول الحدود بين النمسا وإيطاليا تمتد سلسلة جبلية وعرة كانت تنتشر فيها سلسلة قِلاع وخنادق نمساوية محصَّنة ومملوءة بالجنود في زمن السلم للمحافظة على الحدود ومنع التهريب، وكتبت الصحافة الإيطالية تتهكَّم (في إحدى عشرة محاولة قام بها الجيش الإيطالي لاحتلال التيرول لم يخسر غير إحدى عشرة مرة فقط) وكانت صحف النمسا تكتب (المعكرونة تنزلق على الصخور وتتجمد على الثلوج). لم تكن هناك أدنى حاجة لحركة جنود القرية وانتشارهم في تلك السفوح كميلشيا، خاصة وأنَّ إمبراطورية النمسا كانت تتمتع بجيش حكمَ أوربا لقرون، إلى درجة أنَّ فتح جبهة جديدة على الحدود النمساوية لم يؤدِّ إلى تخفيف الضغط على الجبهة الفرنسية، فضلاً عن أنَّ الجيش الإيطالي كان متعباً تنقصه الذخائر والأسلحة والمدافع الثقيلة بعد الخسائر الكبيرة التي مُنِّيَ بها في ليبيا 1912- 1913، كما وقد طرحَ الفيلم ثيمات اجتماعية معقدة بسذاجة وسطحية: الحرب والحب، مَنْ يستفيد من الحرب ومَن يتضرَّر؟ سيطرة الجيش الألماني على الجيش النمساوي مقابل سيطرة فرنسا على الحكومة الإيطالية واستئجارهم موسوليني لجرِّ إيطاليا إلى حربٍ لا ناقة لهم فيها ولا جمل. المهندس الإيطالي كالزولاري رأى كيف أنَّ حماه جروبر بالكاد استطاع أن ينقذه من الإعدام فيذهب بنفسهِ إلى القرية ليُعدَم هناك. خبر الحرب يجلبه طفل إلى وجهاء وأعيان القرية، قبل الحرب كانت هناك توترات وضغائن وعداء تقليدي لقرون طويلة. اشترت فرنسا ذِمم الصحفيين والأدباء وعلى رأسهم موسوليني الذي ظلَّ من قبل عدوا للرأسمالية فإذا به يقود المظاهرات الشعبية مدفوعة الثمن ويصرخ(الديمقراطية في خطر. إمبراطورية هابسبورغ تهدِّد الديمقراطية) وكانت إيطاليا قد وقعت اتفاقية لندن في 26/4/1915 وتعهدت بإعلان الحرب خلال شهر على النمسا. أراد الفيلم إيصال فكرة أنَّ الحرب تخرِّب الاقتصاد والبُنى التحتية، ولولا قوة التصوير التي راهنت على جمال الطبيعة الجبلية وشاعرية السيناريو التي راهنت على لغة الراوي على لسان البطل أندرو لكان الفيلم أسوأ بكثير.