دينا سليم
لا تحمل مظلة، يظللك بوذا.
لا تقرب القردة، هانومان يغضب.
هو طريق حياة، على الإنسان السير فيه، لكن، إلى أين؟ لا أحد يدري!
حكمت التيارات الفكرية المختلفة الإنسان، وأصبح لها عبدا منذ بداية الخليقة، الفكر قهر، والمعرفة إرغام، والاستمرارية في حياة معقدة عقاب!
لنوسع الطريق قليلا للتاريخ القديم، ونعبر من أروقة أسطورة في شعر الملحمي الهندي:
قاد هانومان جيوش القردة إلى الحرب، قرر إعادة المسبية إلى سيده راما، خطفها وحملها على ظهره مخترقا البحار. أما الحكاية فهي كالتالي، حصل وتخاصما الإله راما والإله راون، انتقم راون من راما واختطف زوجته سيتا التي كانت آية في الجمال، سباها وحط بها في جزيرة سريلانكا، فما كان من هانومان الوفي لسيدة إلا الانتقام.
أسطورة واحدة من آلاف الأساطير، تؤمن بها الشعوب التي تعتنق الديانات القديمة، وأصبح للقردة منزلة وتقدير.
القردة جزء لا يتجزأ من حكايا التقديس، أو لنقل الاحترام المقدس، نشاهدة في المعابد الهندوسية والبوذية على حد سواء، وخصصت له أجمل الحدائق في العالم الأسيوي الضاج بالقصص والأساطير الجميلة.
اخترت مشواري في هذا العدد زيارة معبد بوذا الكبير، في مدينة (بوكيت) التايلاندية Big Boddha.
شد انتباهي القردة التي تجولت لها بحرية تامة، أليفة ومحتاطة وذكية، حتى أنها سكنت أكواخ الرهبان البوذيين المتواضعة جدا، أقيمت الأكواخ الصغيرة بين أشجار جوز الهند، أكلت من طعامهم القليل وشربت من مائهم المصلى عليه.
ترك «السانغا» النسّاك، أكواخهم قبل بزوغ الشمس لأداء الصلوات وتلاوة صيغة الملذات الثلاث طوال النهار، اجتمعوا في غرفة فسيحة خاصة في الطابق الأرضي للمعبد الذي لم يستكمل بناءه.
استفز فضولي مظاهر التبجيل والتعبد المبالغ به، التعبد الذي يزيد عن حده ينقلب إلى قسوة ممدوحة، قسوة لا يحتملها العقل الواعي، قسوة يتبناها أصحاب العقول المخدرة بالطقوس الدينية وأساليب تأديتها.
لكن مقارنة بما ذكرت، توجد جوانب أخلاقية تدعو إلى المحبة والتسامح والاتضاع والرفق بالآخرين، أستشهد بجزء من وصايا بوذا: لا تقض على حياة حي، لا تسرق ،لا تغتصب، لا تكذب، لا تتناول مسكراً، لا تزن، لا تأكل طعاماً نضج في غير أوانه، لا ترقص ولا تحضر مرقصاً ولا حفل غناء، لا تتخذ طبيباً، لا تقتن فراشاً وثيراً، لا تأخذ ذهباً ولا فضة.
جلس رئيس الكهنة في صدر قاعة ما ودعا إليه المحتاجين للمشورة والنصيحة، استقبلهم وهم حفاة، حتى أنه شدد على من يقترب من دكته أن يدوس البلاط بخفة وخشوع، نظر إلي من بعيد ولمح تمرد خطواتي وكشف فضولي، تابعني بهدوء ولم ينبس ببنت شفة، أتم صلاته على رؤوس المنحنيين أمامه، لم أبعه خواطري ولم أدس أرضه واحترمت مساحة البقعة التي جلس فيها!.
عرجت إلى منصة أخرى، طلبت مني راهبة بوذية التبرع لاستكمال بناء الهيكل، ناولتني لبنة ملساء، أغرتني قائلة:
سوف نلصق لبنة بالأسماء التي سوف تكتبينها على هذا الجدار، ستبقى أبدية.
سألتها:
كم لبنة يستوعب المعبد لتكملته.
قالت:
خمسمئة مليون، رغم أن عدد معتنقي البوذية في العالم يفوق هذا العدد، صمم المعبد لهذا الغرض، تخليدا لمعتنقي البوذية، لكل لبنة صغيرة ثمن، تبرعي وساهمي بإكمال البناء، سيحفظ بوذا أصحاب الأسماء التي تحتل خاطرك.
السؤال الذي لم أجد له إجابا هو:
إن عدت وزرت المعبد مجددا، كيف يمكنني إيجاد الأسماء التي دونتها على اللبنة الصغيرة؟
في اليوم التالي، قمت بزيارة جزيرة القردة، تقع داخل جزء من المحيط الهندي، مشهد في غاية الروعة والجمال، تعيش القردة هناك على الموز الذي يلقيه السياح من السفن إلى الجزيرة الصخرية، مكونة من جبل ضخم.
الجميل في الأمر، أنني تبرعت بنية طيبة، احترمت المذهب الذي لا أؤمن به احتراما للآخر بغض النظر عن معتقداته وإيمانه.
سوف تكون لنا وقفات أخرى في أماكن أخرى في تايلاند المدهشة.