دلال جويد
يحكى إن محاربا من الساموراي أراد أن يتحدى أحد الرهبان ويشرح له مفهوم الجحيم. لكن الراهب أجابه بلهجة احتقار: لن أضيع وقتي مع أمثالك من الأغبياء. فاستشاط المقاتل غضباً وسحب سيفه قائلا: «سأقتلك أيها الوقح»، وفي هذه اللحظة، قال الراهب بهدوء شديد: «هذا هو الجحيم تماماً» فصدم المقاتل، وهدأ بعد أن واجه الحقيقة التي شخصها الراهب عن غضبه، أعاد السيف الى غمده وانحنى للراهب يشكره على نفاذ بصيرته.. وهنا أضاف الراهب «وهذه هي الجنة».
قبل أن نبدأ الحديث عن سبل السيطرة على الغضب لا بد أن نلتفت إلى ما قاله الدكتور رونالد بوتر إفرون اختصاصي إدارة الغضب الذي اكد أن الاستجابة الى الغضب العصبي تدوم أقل من ثانيتين . وما بعدها يكون نوعا من الالتزام بالبقاء غاضبين، فلو اخذنا تعهدا مع انفسنا أن نعد حتى العشرة ثم نقرر بعدها اذا ما كنا ما زلنا غاضبين أم ان الرغبة بالانفجار قد تضاءلت، وهذا يعني أننا قد نندم على غضبنا في اللحظة نفسها لكننا نرفض الاعتراف بتلك الحقيقة.
هناك الكثير من الدراسات الحديثة التي تركز على كيفية التعامل مع الغضب والتخفيف من آثاره الجانبية وهي تشترط أن نعرف نوعية غضبنا وما يمكن أن ينتجه من أضرار، تتحدث الباحثة الامريكية جينا مكارثي عن انواع الغضب وكيفية التعبير عنه قائلة هناك عدة انماط من الغضب منها منها نمط الاعتداء الذاتي وهي حين يبدأ الشخص بتوجيه غضبه نحو نفسه ولومها، وهو امر يسبب الاحباط وقلة الثقة بالنفس والاكتئاب، وعلاجه يكون بتطوير الاحساس الحقيقي بالثقة بالنفس والخروج من فكرة انك مذنب دوما.
اما النمط الثاني فهو الغضب الصامت الذي يتجنب المواجهة ويدّعي انه بخير دائما، وهو قد يسبب حرقة المعدة وامراض الجهاز الهضمي، وغالبا ما تقوم به النساء لاعتقادها انها ينبغي أن تكون لطيفة لكن الأمر ينتهي بسلوكيات تدمير ذاتية مثل الافراط في تناول الطعام والتسوق، اضافة الى ان تجنب اظهار الغضب يعطي الضوء الاخضر للاخرين للاستمرار بسلوكهم المؤذي وعدم اتاحة الفرصة لهم لتعديله او الاعتذار عنه. وتكون الحلول بالاعتراف اولا ان هناك خطأ ينبغي تصحيحه، ثم تعويد النفس على التعبير عن الانزعاج بهدوء وبشكل واضح وقد يسبب هذا الامر صدمة للاخر او حتى غضبا مقابلا ولكن تذكر دائما «غالبا ما يؤدي الصمت إلى إلحاق الضرر بالأسر والصداقات أكثر من أي تعبير عن الغضب».
الغضب الساخر وهو الذي يعبر فيه عن الغضب بسخرية مرة مع نصف ابتسامة، وهي طريقة يتبعها من يحاول ان يعود إلى مرحلة الأمان بان الامر كان مجرد مزحة لا غير، فلا يتحمل الشخص فيها مسؤولية غضب الاخرين ولكن اضرار تلك الطريقة كثيرة فعلى الرغم من صياغتها بشكل طريف الا انها يمكن أن تجعلنا نخسر علاقاتنا ونؤذي الاخرين، فعلى الرغم من أن بعض الناس يصرون على أن الاستهزاء هو شكل من أشكال الفكاهة الفكرية، لكن كلمة سخرية في الحقيقة مرتبطة بالكلمة اليونانية sarkazein والتي تعني»تمزيق اللحم مثل الكلاب» وهي تشير الى كمية ضرر السخرية على الآخر. ويعالج هذا النوع من الغضب بمحاولة التعبير بشكل واضح عن الانزعاج أو سببه من دون السخرية او استخدام كلمات غير مباشرة لكنها جارحة، أي أن يكون الشخص حازما ولكن غير حاقد وهو الامر الذي يقود الى الخطوة الاهم وهي التحدث قبل أن تصل الى المرحلة التي تكون فيها ممرورا مأزوما تبحث عن وسائل للاساءة والسخرية.
الغضب السلبي أو العدواني وهو الغضب الذي يتولد من عدم القدرة على المواجهة فحين نضطر الى الاجابة على اسئلة او اتهامات موجهة الينا نبدأ بالغضب بطريقة مبالغة ولا نجيب على تلك الاسئلة لأننا في الحقيقة نخاف من مواجهتها، وهذا النمط من الغضب يصيب الاشخاص الذين تعودوا على النمط الامن بعيدا عن الاسئلة لذا حين يتعرضون الى القلق وعدم الامان او يرتكبون الاخطاء يعيشون حياتهم بمحاولة تعكير صفو الاخرين والرغبة بحرمانهم من السعادة بدلا من البحث عن سعادتهم الخاصة، وكأن فكرة أن لا احد فائز، أو «عليّ وعلى أعدائي» هي السائدة. وعلاج هذه الحالة تكون بالاعتراف بالخطأ وطلب المساعدة بدلا من الانكار والتهجم.
اما النوع الخامس من الغضب فهو الدائم لاسباب غير منطقية وتافهة في الغالب، بينما في الحقيقة لا يعبر الغاضب عن أسباب سخطه الحقيقية التي قد تكون بسبب احباطات الزواج او العمل او الوضع المادي وهذا الغضب قد يسبب اضرارا كبيرة في العلاقات فمثل هذا الشخص يتجنبه الجميع تفاديا لنوبات غضبه، ولا يمكن معالجة هذا الغضب او السيطرة عليه الا بمعرفة اسبابه الحقيقية فعلى الشخص ان يصغي لنفسه ويعرف ما الذي يجعله سريع الغضب هكذا كي يتمكن من ادارة انفعالاته بشكل جيد.