د. مكي كشكول

يعتبر التكريم تاجٌ مرصعٌ بالقيم والمثل العليا والإعزاز والتقدير يعتلي رأس من يعمل بجدٍ وإخلاصٍ وتفاني ويبذل الغالي والنفيس من أجل تبليغ الرسالة التي يسعى من أجل إيصالها للآخرين.
فالتكريم، سواءاً كان معنوياً أو مادياً، غني بقيمته ومعانيه ومضمون دلالاته، فهو عبارةٌ عن ثقافةٍ وسلوكٍ إنسانيٍ نبيلٍ يحفز على دافعية العطاء والإبداع والتميز، والذي يسهم بدوره في تجدد بيئة العمل وتحسين مناخاته. وكذلك يسهم في بناء المجتمعات والإرتقاء بها، وهو يمثل أعلى حالات الرقي الحضاري والثقافي والعلمي، وذلك لأنه من خلال عملية التكريم يُترجم التقدير لمن يستحقون الإحتفاء والتكريم ممن خدموا أوطانهم ومجتمعاتهم، خصوصاً في بلدان المهجر، في شتى حقول العلم والمعرفة والإبداع والعمل التطوعي، وبذلك فقد وضع الأشخاص المكرمين في المكانة التي يستحقونها والتي تعكس أعمالهم وإنجازاتهم وإسهاماتهم في خدمة أبناء مجتمعهم، وتشعرهم بالإنتماء لمجتمعاتهم ومؤسساتها وتحفزهم على المزيد من الإبداع والعطاء. ذلك أن التحفيز يعتبر أداةً مهمةً وأساسيةً نحو الإبداع والتميز، ويعتبر ركيزةً أساسيةً نحو تأسيس ثقافة التكريم والتقدير المنبثقة في ثقافة التحفيز، وعليه فإن الوسط العلمي والثقافي في أوساط المجتمع سينطلق نحو الإبداع والتميز، مما سيسهم في بناء مجتمع يسوده العلم والمعرفة.

ولعل لذة التكريم لا تمحى من ذاكرة الشخص المكرم طوال حياته، كما سيحفظ هذا التكريم والتقدير في الذاكرة الجمعية. وذلك لأن في فلسفة التكريم مفعولاً سحرياً يجعل الشخص المحتفى به يعيش عالم النشوة وتحقيق الذات، وأن ما زرعه من جهدٍ وعملٍ مضنٍ قد آتى أُكله وحان وقت حصاده، مما سيؤدي إلى إطلاق كوامن الطاقات وتفجير ينابيع الإبداع، وتشجيع إبتكار الأفكار المجتمعية والحلول الخلاقة. وكذلك فإن في فلسفة التكريم تقديراً للعمل كقيمة، وتقييماً للمجتهدين والمتفانين في العمل بإخلاصً كأسلوب حياة، والمتميزين بإبداعهم النوعي الذي يتسم بالقيم الإنسانية والعطاء الذي يتجسد في تضحياتهم وحبهم للعمل كقيمة، وفي أدائهم وإتقانهم لعملهم وسلوكياتهم التي تصب في تنمية المجتمع وتعيد إنتاج المهارات الحياتية والكفاءات الإنسانية المتطورة القادرة على تحفيز الذات وإنتاج القدرات والقيادات والمواقف الإيجابية والإبداعية، وبما يقوي عناصر الإلتزام والإنتماء للوطن بعيداً عن المصالح الشخصية الضيقة.
والتكريم على نوعين، النوع الأول هو التكريم الذي ينعم به أبناء جلدة الشخص المكرم عليه، ويعتبر هذا التكريم ممارسةً يتخذ منها في بعض المواقف والمناسبات وسيلةً من وسائل نشر ثقافة النفاق والمحاباة والمجاملة أو التقرب والتزلف وليس عن كفاءةٍ وجدارةٍ وإستحقاقٍ

ووفقاً لذلك فإن هذا النوع من التكريم يفقد صفة التميز والكفاءة والجدارة والإستحقاق كمعايير رئيسية وأصل من أصول عملية التكريم، وبهذا يستوي الذين يعملون والذين لا يعملون، ويساوى بين الكفوء والمميز والمجد والمجتهد وبين البليد والمتقاعس وعديم العطاء وغير المبدع والمتميز، وهؤلاء هم من يتصدروا قوائم التكريم ويعتلوا سلم المكرمين. ووفقاً لهذا الأمر، تتراجع مؤشرات إنتاجية العمل الإجتماعي النوعي المعبر عن مستويات الإنجاز والإتقان في المجتمع.
أما النوع الآخر من التكريم، فهو ذلك التكريم الذي يأتي من الغرباء، حيث يكون البعد المعنوي في هذا النوع من التكريم أكبر وأعمق وأعظم شأناً. ويعتبر من أعلى درجات التكريم وأسماها، خصوصاً في بلاد الإغتراب، ذلك لأن المعايير التي يتبعها من يشرفوا على هذا التكريم تتسم بالحيادية والموضوعية والشفافية.
ويكتسب هذا التكريم مذاقاً مختلفاً لا يقارن بالتكريم الذي يأتي به أبناء البلد الأم، ذلك أن الشخص المكرم لابد أن يكون على درجةٍ عاليةٍ من الكفاءة والقابلية على شغل المنصب الذي يشغله من أجل أن ينال هذا التكريم، ووفقاً لمعاييرٍ يضعها ويضبطها المشرفون على عملية التكريم، كي لا يُترك للمواقف العشوائية والمصالح الشخصية المتبادلة مكاناً في هذا النوع من التكريم. حيث يعترف فيه من يشرف على هذا النوع بعطاءات الأشخاص المكرمين، والتركيز على الجوانب الإيجابية والمتميزة في مسار عملهم ونشاطاتهم وإنجازاتهم.
وفي هذا دلالة عميقة ومعبّرة عن المستوى الثقافي والعلمي والحضاري الرفيع الذي بلغه أفراد مجتمع الشخص المكرم ووعيهم وإعترافهم بما بذله الشخص المكرم من جهود وشعورهم بعطاءاته وإحساسهم بكفائته، وهذا بالطبع ينتج مردوداً معنوياً إيجابياً كبيراً.
ولعل تكريم كادر العراقية ممثلة بمديرها السيد سمير قاسم، ونيلها جائزة العيش بسلام التي تنمنح كل عام لاربع شخصيات في استراليا و الإبداع وايضا شهادة السلام للمراسلة هديل صباح المقدمة من الإتحاد العالمي للسلام في أستراليا “Universal Peace Federation, Australia” تعتبر شهادة إعتراف من الدولة الأسترالية بما قدمه السيد سمير قاسم من جهود جبارة وأعمال عظيمة خدمةً للجالية العراقية بكافة أطيافها وأعراقها ودياناتها، والذي أسهم بدوره في تعزيز روابط الجالية بعضها ببعضها الآخر وتعزيز أواصر العلاقات والتقارب والتآلف والتعايش ما بين العراقيين المقيمين في أستراليا، ومد جسور الترابط بين ضفة الإغتراب في أستراليا وضفة إحساس العيش في العراق، وكذلك في إطلاع أستراليا، حكومةً وشعباً، على العادات والتقاليد والقيم العراقية من خلال نقل ما تقوم به الجالية العراقية في أستراليا من فعاليات ونشاطات دينية كانت أم إجتماعية أم وطنية، إلى الأستراليين.
والأمر الهام في هذا التكريم، هو أنه لم يكن معنوناً إلى مدير قناة العراقية فقط، بل هو تكريم لقناة العراقية بكل كادرها. فما يقوم به السيد سمير، ذو الإرادة الحديدية، من عملٍ يتسم بالحرفية والمهنية العالية، قد أبهر من حوله وذلك بسبب الأفكار المتجددة والجريئة التي تركز غالباً على المستقبل وتسبق زمنها وتفكير من حولها. فإن الذي يعرفه عن قرب يعرف الطريقة التي يدير بها عمله، وما يدور في ذهنه من أفكار تسهم في تطوير مهاراته الشخصية وتوسيع آفاق عمله، وتجده دقيقاً ومنظماً في التفكير ويحدد الأهداف التي يسعى لتحقيقها من خلال ما يملكه من درايةٍ وخبرةٍ متراكمةٍ ودقةٍ وجديةٍ في العمل. وبذلك فإن هذا التكريم إنما هو تكريم لجميع العاملين في قناة العراقية.