الثقافة التي تخاف على نفسها من هجمة قط الجيران ثقافة فئران

النجوم-خاص

من يقرأ العنوان يعتقد أني سأتطرق إلى موضوعة المثليين، لكني لن أتحدث عنهم بل سأتحدث عن حادث حصل معي بصورة شخصية قبل فترة معينة، ولأنهم إنسان يجب أن نتوقف كثيرا عند حافة الصمت، إن عزمنا على توبيخهم أو قصدنا النميمة خلف ظهورهم، ولنعترف أن تخوفنا منهم ما هو إلا وهم مدبر، وكما قال الشاعر نزار قباني» الثقافة التي تخاف على نفسها من هجمة قط الجيران هي ثقافة فئران».
استوقفني جاري، هذا الذي يقيم في أول الحارة، عازب في الخمسين من عمره، موسيقيّ وكاتب قصص أطفال، لكي يعرّفني على شخص كان بصحبته، قائلا له متفاخرا بـي:
أعرّفك بجارتي دينـا روائية طبعت كذا من المؤلفات..وديـنا…. مستعرضا سيرتي الذاتية بينما محرك سيارتي يهدر وطرف عيني معلق على السّاعة، ثم التفتَ نحوي قائلا:
أعرفكِ بصديقي توم، إننا معا منذ وقت طويل، هو كاتب قصة أيضا ويعمل في صحيفة كذا؟
ابتسمت لهما، تبادلنا حديثا سريعا حاولت من خلاله اخفاء امتعاضي، بما أني أملك موقفا معينا بموضوع المثلية الجنسية، لكني آثرت الحيادية لأني أؤمن بالحريات الشخصية أيضا، فلكل إنسان عيوبه وإيجابياته وحساباته في الحياة، فمن أكون أنا أو غيري لنجلد الآخر؟
أخذت طريقي وصوت فيروز يأخذني بنشوته (عندي ثقة فيك…عندي أمل فيك..)، حدّثت نفسي قائلة: الآن فهمت فقط لماذا جاري لم يتعد حدود اللباقة معي طوال هذه السنوات، حتى عندما دعوته ليشاركنا ومع بعض الأصدقاء مائدة العشاء في الكريسماس الماضي، تمنّع وآثر أن يقضيه وحيدا مع كلبه (إيل) ليزين أشجار حديقته بالأضواء، لكنه حمل لي بعض الفاكهة كهدية للعيد والتي قطفها من الأشجار التي زرعها تخللتها حبّة واحدة من فاكهة نادرة من طرح أوّل خصصها لي مغلفة بمغلف يبرق بالنجوم!
أكملت طريقي وهو يلوح لي بيده كالمعتاد قائلا: أتمنى لك نهارا جميلا، ديـــنا اخرجي للحياة لأن الحياة جميلة، نهارك سعيد ديـنا ولتكن جميع أيامك سعيدة أيضا يا دينا…
لقد حفظ اسمي منذ أول لقاء.
سؤال ملح يؤرقني الآن وقد أصبح الكريسماس على الأبواب، وجميعنا بدأنا نفكر في مائدة العشاء والضيوف الذين سوف يحضروا لكي يشاركونا هذه الليلة الررائعة، ليلة ميلاد السيد المسيح.
خاطري لا يبارحني وأنا أفكر بجاري الوحيد الذي خجل من الحضور إلى مائدتي السنة الفائتة، لأنه مُثلي الجنسية ومن دواخله أحسّ ربما بالشذوذ، أو أنه غير مقبول، أو لأنه لا يريد احراجي، أو لم يرد تلويث مائدتي ليلة العيد، شيء كبير منعه أن يفعل، وخلصت إلى نتيجة وهي أن أعماقه غير مطمئنة، أو بما أنه رجلا انطوائيا يفضل أن يبقى وحيدا ومنزويا مع كلبه منتظرا صديقه.
وخاطر آخر يقلقني وهو لماذا لا أحاول أن أستميله إلى فئة المعتدلين في الحياة وأن يرى ويشاهد مشاهد الألفة بين أفراد العائلة بما أنه وحيد، حينها يدرك الفرق، إن لم ير لن يستطيع التغير، ثم لماذا يجب أن أبادر بتغييره وهو ذاته مقتنع بما يفعل وسعيد بذلك، وكيف علمت أنه غير سعيد، يا لشكوكي التي ليست بمحلها، وكأني بحاجة لأعباء أخرى تضاف إلى أعبائي!
ماذا أفعل، هل أساهم بمحاولة تغييرة، أم أحترم شذوذه طالما هو غير مؤذ وإنسان لطيف ومتسامح وكريم، ولماذا أريد ذلك، فلكل إنسان عقيدته ويجب على الجميع احترام الآخر وحتى المختلف عنا.
ربما أكون مخطئة بتقديراتي نحوه لأفكار مسبقة، لكني تعلمت على تقبل الآخر المختلف عني واحترامه ومهما كانت النوايا فسأظل سعيدة بالهدايا التي يخصها لي.
شكرا لك يا جاري، إنت في دارك وأنا في داري!