دينا سليم

للتجوال في يافا العتيقة أهمية تاريخية كبيرة، ومن يزورها أو يقيم فيها يتمتع بخطوات القدماء حتى ليخيل له أنهم ما يزالون أحياء.

سوف آتي على ذكر بعض الأماكن الأثرية النادرة الموجودة في المدينة، والتي تحمل حكايات طريفة حصلت فيها، مستخدمة عدستي الخاصة بالتقاط الصور.

من أهم الأماكن التاريخية في يافا بيت سمعان الدباغ، وما تزال آثاره موجودة حتى يومنا هذا، وهو الذي قام ببناء ميناء يافا على رغم أن اليهود القدماء كانوا أهل رعي وتربية مواشي. يعود البيت اليوم  إلى عائلة زكريان، أرمنية الأصل، وقد أقام الانتداب البريطاني منارة على سطح المنزل لتوجيه السفن التي تدخل الميناء، وبالقرب من المنارة يوجد مسجد صغير «جامع البطرس» والذي شيد عام 1730 والى جانبه برج حراسة لحراسة المدينة من جهة البحر.

برتقالك يا يافا أحلى من الجوافة – مطلع أغنية للأطفال تربينا عليها نحن أبناء فلسطين. حيث امتازت المدينة بزراعة الحمضيات على جميع أنواعها، وتصدر آلاف الأطنان شهريا من ذات الميناء التاريخي. وعندما استمرت بنا الأيام حفظنا أغنية فيروز وكلمات الأخوين الرحباني – أذكر يوماً كنت بيافا، خبّرنا خبّر عن يافا، وشراعي في مينا يافا، يا أيّام الصيد بيافا، جاءتنا الريح.. في الليل، يا عاصفةً هوجاء، وصلت ماءً بسماءْ، عاصفة المطر الليلية قطعان ذئاب بحرية.

أخذتني هذه الكلمات إلى نبيّ له تجربة خاصة بدءا من بحر يافا، ويمكننا أن نقول أنه ضمن الأنبياء الذين ركبوا البحر، سوف نتحدث عن النبي يونس أو يونان، وإن أخذنا على مجمل الحديث نذكر أن النبي موسى ألقي به في نهر النيل وهو طفل وعثر عليه قبل أن يتبلل طرف من أطرافه، وكذلك الأمر عند خروجه من مصر حيث انشق البحر ولم تتبلل قدميه، أما الحال مع النبي محمد مختلف جدا الذي عاش ومات على البر طوال حياته، أما المسيح  فكانت له تجربتان مع الماء، أولها عندما ظهر سائرا في مياه بحيرة طبريا، وثانيهما عندما قام بتعميده يوحنا المعمدان في نهر الأردن، وقد اتخذ تلاميذه، بعد ذلك، البحر لهم طريقا للتبشير برسالته.

سنتحدث عن قصة طريفة أتت على ذكرها الكتب السماوية، قصة نوح والحوت الذي ابتلعه.

كلف الله يونان بالذهاب إلي نينوى ليردهم إلى عبادة الله وحده، (العراق اليوم) حيث انتشرت فيها القسوة وأساليب التعذيب والمعاملة غير الانسانية والاستبداد وقهر الضعفاء، سميت أيضا بمدينة الدمار، تسلى ملوكها  بجذع أنوف الأسرى وسَمْل عيونهم وقطع أيديهم وآذانهم وعرضها أمام الشعب لدب الخوف في قلوبهم، لكن ناقش يونان الله في الموضوع  فقرر عدم المثول لأوامره خشية على نفسه من أن يلحق به أذى فعزم على الهرب على متن سفينة مبحرة إلى ترشيش، فأبحر من ميناء يافا.

تمركز يونان أو يونس حول ذاته، نام نوما ثقيلا تحت شجرة يقتين وتظلل بأغصانها ينتظر وصول السفينة التي ستنقله من مكانه إلى مكان آخر بعيد هربا من أوامر ربه، لم يولي كلام الرب اهتماما، ولم يهتم بنينوى وهلاكها أو خلاصها، ولم يهتم بأهل السفينة وما تجره عليهم خطيئته، هرب النبي غير مطيع الله الذي قام بانقاذه فيما بعد من الرياح والعواصف التي ضربت البحر فجأة، ومن  الحوت الذي ابتلعه وحبسه في جوفه ثلاثة أيام.

ترشيش، هي وجهته (ترتيوس – قرطاجنة شمال أفريقيا) حيث يمكن الوصول إلى تلك المدينة بحرا فقط، فكما وصلت سفن النبي سليمان وحيرام إلى هناك سوف تصل السفينة التي ركبها أيضا وهو يعلم أن الرحلة طويلة، بما أن تلك السفن أتت كل ثلاث سنوات في حينه عائدة من رحلتها، هذا إن لم يقدر عليها بحر الروم (المتوسط) وقام بإغراقها.

لقد ذكر النبي يونس في القرآن أيضا: « وإن يونس لمن المرسلين، إذ أبقى إلى الفلك المشحون، فساهم فكان من المدحضين، فالتقمه الحوت وهو مليم».

وإن استمررنا في رحلتنا سنجد بيت الرجل البار زكريا، والد يوحنا المعمدان، (يحيي)، قائما كموقع تاريخي يزوره السياح، الذي توفي بعد الميلاد بعشرين سنة، وكذلك كنيسة طابيثا، أو القديس بطرس، حيث تعود بالمسيحيين أهل يافا خصوصا، إلى  قصة طريفة جدا سوف نوردها لكم في حلقات قادمة ان شاء الله.

تحمل زقاقات يافا الكثير من الأصداء الخالدة، فقد مرت على هذه الزقاقات حضارات كثيرة  وتعاقبت عليها جيوشا واحتلالات كثيرة حتى أصبحت أماكن استثنائية، فموقعها على شاطيء البحر المتوسط ووجودها في فلسطين التاريخية يؤشر على ازدهار هذه المدينة الجميلة.