الدكتور أمين جاد الله
أحضرت فنجان قهوتى ، وجلست لأشاهد فيلم السهرة ، ودارت أحداث الفيلم حول شاب تعرض لضربة بالرأس ، ليفقد ذاكرته ، فصار لا يعرف من هو ؟ وقد نسى تماماً ماضيه ، ونسى محبوبته ، التى تحاول طوال الفيلم أن تساعده ليسترد ذاكرته المفقودة ، ويشاء القدر أن يتعرض هذا الشاب لضربة ثانية وفى نفس مكان الضربة الأولى ، ليستعيد ذاكرته ، ويتعرف على محبوبته ، ليتزوجا ، وليعيشا فى سعادة وهناء ، ويخلفان صبيان وبنات ، ومن كثرة تكرار هذه المشاهد بالسينما المصرية، كدنا ننصح المحبوبة بضرب حبيبها على رأسه ليسترد وعيه سريعاً ، بدلاً من انتظار القدر، الذى قد يأتى متأخراً، أو لا يأتى .
لكن العلم لا يتفق مع هذه الرؤية السينمائية ، بل ينافيها، فتكرار الضربة لا تعيد للمصاب ذاكرته التى فقدها إثر الضربة الأولى .
والأمنزيا هو مصطلح يصف فقدان الذاكرة والارتباك وعدم القدرة على التعرف على الوجوه أو الأماكن المألوفة. وهذه الحالة قد تكون بسبب إصابة بالرأس أوالدماغ، أو بسبب بعض الأدوية أو الكحوليات ، أو بسبب الأحداث المؤلمة، أو نتيجة حالات مرضية مثل مرض الألزهايمر. وهناك ما يعرف بفقدان الذاكرة التقدمى ، حيث لا يستطيع الشخص تعلم أى شئ جديد. وهناك فقدان الذاكرة الرجعى حيث ينسى المصاب أحداثاً من ماضيه .
وهناك بعض الحالات كالارتجاج والمرض الشديد وارتفاع درجة الحرارة والعلاج بالصدمات الكهربائية ، التى تسبب فقداناً مؤقتاً للذاكرة.
وللذاكرة أنواع .. منها ذاكرة قصيرة المدى حيث تتم تخزين المعلومات الجديدة لفترة وجيزة ،وإذا لم يتم استخدام هذه المعلومات بعد ذلك، فسيتم نسيانها قريباً. أما الذاكرة طويلة المدى ، ففيها تتم معالجة المعلومات لتخزينها بمركز الذاكرة بالدماغ ، والذى يُعرف باسم الحُصَين .
لا يؤثر فقدان الذاكرة بمفرده على ذكاء الشخص، أو معرفته العامة، أو درجة وعيه، أو شدة انتباهه، أو حكمه على الأمور، أو شخصيته وهويته. إذ يمكن لفاقدى الذاكرة الرجعى فهم الكلمات المكتوبة أوالموجهة إليهم، كذلك تعلم مهاراتٍ جديدة كعزف الجيتار أو رقصة جديدة،أو قيادة السيارة . وقد يستوعب بعضهم حقيقة إصابته بخللٍ في الذاكرة.
هناك فرقٌ كبيرٌ بين فقدان الذاكرة والخرف. فالخرف ينطوي على فقدان الذاكرة، إلا أنه يصاحبه عددٌ من المشاكل الإدراكية الأخرى .. مثل فقدان الاتجاهات ، أو عدم القدرة على أداء المهام اليومية، أما فى حالة الألزهايمر ، يحدث ضمور وموت لخلايا المخ وفيها يعجز المصاب عن أداء المهام الحيوية وفقدان التعبير عن مشاعره ، حزناً كان أو فرحاً .
وقد يرافق فقدان الذاكرة بعض الأعراض كالهذيان ، او الذكريات الخاطئة التى قد تكون من الخيال ، كما قد يعانى المصاب بالارتباك والتوهان.
و تتزايد فرصة الإصابة بفقد الذاكرة إذا عانى الشخص بالسكتة الدماغية ، أو إصابة أو رضح بالرأس ، أو جراحة بالدماغ. كذلك من سوء استخدام الكحول.
ويختلف فقدان الذاكرة من حيث شدته ، ولكن حتى فقدان الذاكرة الخفيف يؤثر سلبًا على الأنشطة اليومية ونوعية الحياة. إذ قد تسبب مشاكل في العمل، وفي الحياة الاجتماعية أو الأسرية.
قد لا يكون من الممكن استعادة الذكريات المفقودة.إذ يحتاج بعض الأشخاص الذين يعانون من مشاكل بالغة في الذاكرة كما هو الحال فى مرض الألزهايمر إلى العيش في بيئة خاضعة للإشراف أو في أحد مرافق الرعاية الممتدة.
أما العلاج فهويعتمد على السبب، على سبيل المثال ، قد يستفيد الشخص الذي عانى من حدث صادم من التخدير مع الكثير من الحب والرعاية ، وربما العلاج النفسي. وفى حالة ارتجاج المخ فهو يحتاج إلى الراحة. ولأن تلف الدماغ يمكن أن يكون سببًا جذريًا في فقدان الذاكرة، فمن المهم أن تأخذ الخطوات لتقليل فرصة إصابة دماغك كارتداء خوذة عند ركوب الدراجة وحزام الأمان عند قيادة السيارة ، كذلك تجنب الاستخدام المفرط للكحوليات، وعلاج أي عدوى سريعًا حتى لا تكون هناك فرصة لانتشارها في الدماغ،و الحصول على العلاج الطبي الفوري إذا كنت تعاني من أي أعراض تشير إلى إصابتك بسكتة دماغية، أو بتمدد الأوعية الدموية الدماغي، مثل الصداع الشديد، أو الإحساس بالخدر، أو الشلل من جانب واحد.
صديقى.. إن تكرار حالات فقدان الذاكرة واستعادتها بأفلام السينما ، كادت ترسخ بفكر المشاهد تلك الفكرة الخاطئة عن فقدان الذاكرة …. فلا تصدق كل ما تقدمه الشاشة ، فالعديد من الكتاب والمخرجيين يتساهلون فى تقديم الفكرة دون الرجوع للعلم والطب النفسى.