في حبكة درامية معقدة ومتشابكة، وبإيقاع سريع غير معهود، يخوض المسلسل اللبناني “بالدم” غمار قضايا اجتماعية وإنسانية حساسة لامست قلوب المشاهدين العرب. يمثل هذا العمل محاولة فنية جريئة وغير مسبوقة لتسليط الضوء على قضية الاتجار بالأطفال، وكشف كيف تُسلب أرواحهم وهم أجنة في بطون أمهاتهم، ليُباعوا عند الولادة تحت سطوة المال والسلطة، بعيدًا عن العدالة وفي ظل الفقر والظلم.

في أحد شوارع لبنان النابضة بالحياة، تنطلق قصة المحامية والأستاذة الجامعية غالية (ماغي بو غصن) من محيط عائلي مثالي ظاهريًا. لكن وعكة صحية تصيب ابنتها تكشف لها أن والديها روميو و جانيت (رفيق علي أحمد وجوليا قصار) ليسا والديها الحقيقيين، لتبدأ رحلة بحث وصراع مؤلمة للكشف عن هويتها الحقيقية، مدعومة بزوجها طارق (بديع أبو شقرا).

رحلة بحث مريرة تكشف المستور

تبدأ غالية رحلتها من مستشفى الولادة، محاولة الحصول على أسماء المواليد في تاريخ ميلادها، ظنًا منها بوجود تبديل خاطئ. لكن سرعان ما يتضح لها أنها كانت مجرد “سلعة تجارية” تم اختطافها وتبديل عائلتها بأوامر من الممرضة المتنفذة نظيرة (جناح فاخوري)، التي تدير أكبر شبكة لبيع الأطفال في لبنان، مستغلة ضعف الشابات اللواتي حملن خارج إطار الزواج.

خلال بحثها المضني، تكتشف غالية تورط الدكتورة آسيا (كارول عبود) في شبكة نظيرة، حيث تستغل عيادتها في حي شعبي لاستقطاب الشابات الحوامل ورعايتهن حتى الولادة بهدف بيع أطفالهن.

“قتلتها مرتين”: رمزية النهاية المأساوية

في خضم رحلة علاج ابنة غالية، تتعرف إلى الممرضة حنين (ماريلين نعمان)، وتتشابك حياتهما بشكل غير متوقع. تعاني حنين من مشكلات أسرية تساعدها غالية في حلها، لتكتشف لاحقًا أنها أختها التي قامت نظيرة بتبديلها مع ابن جانيت دون علمها.

لم تكتفِ نظيرة بفصل غالية عن والديها الحقيقيين، بل كانت نهايتها على يديها برصاصة قاتلة، في رسالة مؤلمة للمشاهد بأن نظيرة قتلت غالية مرتين: مرة عند ولادتها بسرقتها، ومرة أخرى بإنهاء حياتها.

نسيج اجتماعي ثري يدعم الحبكة الرئيسية

لم يركز العمل على قضية الاتجار بالأطفال فحسب، بل نسج حولها قضايا اجتماعية وإنسانية أخرى تلامس واقع العائلات العربية. تناول المسلسل قضية التبني من زاويتين مختلفتين، محللًا دوافعها، كما سلط الضوء على معاناة الأزواج الذين لا ينجبون، وتأثير بطالة الشباب، والعلاقات غير المتكافئة التي تستغل فيها المشاعر كما في شخصية مروان (وسام فارس).

لم تغب قضية التبرع بالأعضاء عن تفاصيل العمل، حيث كانت وصية غالية بالتبرع بكليتها لأختها حنين، وهي قضية تثير جدلًا واسعًا في الشارع العربي.

كما رصد المسلسل مأساة الشابات اللواتي يتعرضن للاغتصاب ويهربن خوفًا من الفضيحة، وكيف يسيطر منطق الثأر باسم “جريمة الشرف”، وهو ما جسدته شخصية عدلة (سينتيا كرم).

إشادات واسعة ونجاح جماهيري ونقدي

تصدر المسلسل اللبناني “بالدم” قائمة الأعمال الدرامية العربية التي عُرضت في موسم رمضان 2025، وحتى بعد انتهاء عرضه، لا يزال يحصد إشادات واسعة من الجمهور والنقاد وصناع الفن.

وصف النقاد المسلسل بأنه عمل درامي متكامل وناجح، حيث كانت جميع شخصياته محورية، وساهمت حالة البطولة الجماعية في نجاحه وتحقيقه نقلة نوعية في رصيد الدراما اللبنانية.

يذكر أن مسلسل “بالدم” هو من تأليف ندين جابر، وإخراج فيليب أسمر، وإنتاج شركة “إيغل فيلم”، وبطولة نخبة من نجوم لبنان، من بينهم: ماغي بو غصن، بديع أبو شقرا، باسم مغنية، رولا بقسماتي، وسام فارس، جيسي عبده، جوليا قصار، سينتيا كرم، سعيد سرحان، رفيق علي أحمد، نوال كامل.

يُشار إلى أن الثنائي ندين جابر وماغي بو غصن حققتا نجاحًا كبيرًا في الموسم الرمضاني 2024 بمسلسل “ع أمل“، الذي تناول قضايا المرأة في الأرياف وقمع حريتها باسم “جريمة الشرف”، وشارك في بطولته مهيار خضور وبديع أبو شقرا.