دلال جويد

هل يمكن أن أقع في الحب

لدينا نكتة عربية تقول ان عجوزا كانت تمرض كثيرا وتشكو لأولادها فأخذوها الى الطبيب الذي قال ان علاجها بالزواج. فانزعج الأبناء من قرار الطبيب بينما كانت العجوز تقول اذا قرر الطبيب لا نستطيع ان نقول لا!!
بغض النظر عن طرافة النكتة او ثقل دمها فهي تعبر عن حالة اجتماعية مهمة وهي رغبة كبار السن او حاجتهم الى الشريك في مقابل استهجان المجتمع لتلك الحاجة، فكثيرا ما نسمع انتقادات لسيدات يتجملن وهن في عمر متقدم (من وجهة نظر المنتقدين طبعا) ويوصفن بانهن متصابيات يتصيدن الرجال!!
وهذا يدعونا الى التساؤل، هل هناك عمر محدد للحب او الارتباط؟ وهل ينبغي السماح للمجتمع بمحاصرة كبار السن وخاصة النساء وتقرير انهم غير قادرين على الحب؟ او البحث عن شريك؟
في مجتمعاتنا العربية هناك الكثير من السيدات العربيات الوحيدات ( بعد الاربعين او الخمسين وما يليها) غير قادرات على التعبير عن الرغبة بالحب او الارتباط بالرجل لان الامر ينقص من وقارهن وقد يدعو الى غضب وسخط الأبناء والمجتمع.

حين سئلت الكاتبة الامريكية جوان ديديون، التي كتبت مذكراتها (سنة التفكير السحري) وفيه الكثير عن زوجها الراحل الكاتب جون غريغوري ديون وكانت في السبعين من عمرها عن اذا ما كانت ترغب بالزوج مرة اخرى اجابت انها لا ترغب بالزواج وإنما تتمنى الوقوع في الحب من جديد.
في مواقع التواصل الاجتماعي تتسارع اهتمامات من اقتربوا من الستين بطرق التواصل والتعارف لانها الطريقة الأكثر أمانا فهي في الغالب تحتفظ بسريتها ويكون الرفض اخف وطأة من الواقع، فالتقدم في السن يأتي بكثير من الخبرات والهدوء والمعرفة لكنه يفي الوقت ذاته يجعل قرار الحصول على شريك صعبا للغاية في هذه الإعمار يصعب على المرء التأقلم او التغيير من عاداته وطبائعه كما يجعل اقتناعه بالاخر مقرونا بكل الخبرات والمعارف التي اكتسبها على مدى العقود الماضية من عمره.
تتخوف الكثير من النساء من فكرة ان التقدم بالسن يجعلها غير مرغوبة، كما يسود الاعتقاد ان الرجال، حتى كبار السن منهم، يفضلون النساء الشابات ما يجعل حظوظ النساء من أعمارهم قليلة، لكن الحقيقة أن الرجال في الغالب يعانون من الشكوك والإحباطات والقلق نفسه وهم يبحثون عن الحب والتقدير والرغبة بالشعور ان هناك ما يستطيعون تقديمه حيث تقول مارغريت مانينغ وهي سيدة أعمال وكاتبة استت موقعا الكترونيا للنساء فوق الستين استطاع ان يصل الى اكثر من ستمائة الف امرأة (على المرأة التي تفكر بالارتباط والحب في عمر متقدم ان تفكر بالرجل واحتياجاته النفسية فقد يكون مترددا خائفا من الرفض لذا يجب لا تتردد المرأة في بدء المحادثة والمبادرة بالابتسام وخلق اجواء مرحة لكنها كذلك ينبغي أن لا تحاول فرض سيطرتها على الأجواء فالعلاقة بين الطرفين ليست صراعا على السلطة وإنما هي تكافؤ وشعور بالراحة بوجود الاخر.
في الشعر والاغنيات نجد الكثير من التأكيد على الحب الأبدي الذي يعني وجود اي شخص آخر في حياة المرء حتى بعد رحيل حبيبه عن الدنيا خيانة عظمى، لذا تتخوف النساء والرجال الوحيدون من التصريح بحاجتهم الى شريك بعد رحيل شركائهم عنهم او انفصالهم خوفا من أن يتهموا بالنسيان او الخيانة او الجحود، وهكذا يمضون أيامهم بصعوبة بالغة وبحزن كبير ليس لفقد الشريك فقط وانما لعدم قدرتهم على التصريح بحاجتهم الى من يكون قربهم ويخفف عنهم وطأة السنوات الباقية من العمر.
الحقيقة التي ينبغي ان لا نتغاضى عنها ان كبار السن لديهم من الحكمة والتجربة ما يجعلهم قادرين على اخفاء مشاعرهم وحزنهم وشعورهم بالوحدة اذا لم يكن لديهم شريك حياة يسكنون اليه ويشعرون بمحبته، ويشعرهم بأهمية وجودهم في حياته، والامر لا يقترن بالرغبات أو القدرات الجنسية وأنما بالمحبة التي تحتوي الرغبات والمشاعر والحاجات وتغذيها بعيدا عن أحكام المجتمع الجائرة التي تقتل القدرة على الحب أو الاستجابة له.