الدكتور أمين جاد الله

قد يبدو العنوان غريباً أوصادماً ، فكلنا يخاف الظلام ويتحاشاه ، فكيف نتمتع به ؟؟!
فلنبدأ القصة من بدايتها …
تُوجد في تجويف الدماغ غدة صغيرة اسمها الغدة الصنوبرية ، وهى تفرز هرموناً أو مادة تسمى مادة الميلاتونين، و عملية إفراز الميلاتونين تحدث حين تواجه عينا الإنسان الظلام ، مما يسبب الإحساس بالنعاس أثناء الليل ، ويساعده على النوم. هذا الهرمون هو من ينظم داخلنا ما يعرف بالساعة البيولوجية ، وهى ما تتحكم فى وقت نعاسنا ، وميعاد استيقاظنا ويندهش الكثيرون فى أيامنا لماذا قلت عدد ساعات نومنا ؟ ، ولماذا لم نعد نستمتع بلذة نومنا كما كان أباؤنا وأجدادنا يستمتعون؟ والحقيقة أننا حُرمنا من لذة الظلام، أو بالأصح حُرمنا من الميلاتونين فى جسمنا .
وأكبر عدو لهذه المادة هو الضوء الأزرق ، إذ دلت الدراسات الكثيرة والأبحاث ، أن الأضواء المنبعثة من الشاشات الزرقاء كشاشات التليفزيون وأجهزة الكمبيوتر والتليفونات المحمولة ، تقلل من إفراز الجسم لمادة الميلاتونين ، مما يمنعنا من سرعة انغلاق جفوننا ، ووقوعنا فى السبات العميق . وأثبتت الدراسات أيضا أن الضوء الأحمر أقل تأثيرأ على إفراز الميلاتونين وهو يساعد على النعاس .
فماذا يحدث عند الظلام ؟
عند المساء، يفرز المخ الميلاتونين المسؤول عن تنظيم عملية الاستيقاظ والنوم، وهو يعمل أيضا على تقليل ضغط الدم، وحماية الإنسان من السكتات الدماغية ، والأزمات القلبية، والأكتئاب وزيادة الوزن ، والألزهايمر ، ويحافظ على مستوى الجلوكوز في الدم،ويجعل درجة حرارة الجسم معتدلة، كل ذلك لينعم الإنسان بنوم هادئ ومريح .
والغريب أيضا أن هذا الهرمون يقلل من ظهور علامات التقدم فى العمر،إذ له وظائف مضادات الأكسدة ، فهو يُحافظ على البشرة ، وهى بشرى سعيدة لكثير من السيدات .
ويعتقد الكثيرون من الأباء أنهم بوضعهم إضاءة خافتة في غرفة أطفالهم ، ستمنحهم استمتاعاً بنوم هادئ ، ولكن هذا خطأ كبير ،حيث أكد الأطباء أن الظلام التام يمنح الأطفال نمواً سليماً، وحماية من أمراض كثيرة ،حيث يكون المخ قادراً على إفراز النسبة الطبيعية من هرمون الميلاتونين .
وهناك أمر آخر يقلل من إفراز الميلاتونين بجسمنا ويحرمنا من النوم الهادئ . ألا وهو مادة الكورتيزول .. تلك المادة التى يفرزها الجسم عند تعرضنا للضغوط النفسية أو عند غضبنا و إثارتنا . إن الجسم يبدأ فى إفراز الميلاتونين قبل نومنا بحوالى ساعتين ، ويزداد إفرازه مع الوقت قبل النوم ، ويقل إفرازه قبل استيقاظنا، والطبيعى أن هرمون الكورتيزول عكس ذلك ، إذ يقل قبل النوم ويزداد فى الصباح قبل قيامنا ويقظتنا . فماذا يعنى ذلك ؟؟
هذا معناه أننا إن تعرضنا قبل نومنا لضغط عصبى أو نفسى ، فسيزداد نسبة الكورتيزول بجسمنا ، مما يعمل على توتر عضلاتنا ، وزيادة ضربات القلب ، ويقلل من عمل الميلاتونين ، و تزداد يقظتنا ، فنتقلب على الفراش دون جدوى ، ودون حصولنا على مبتغانا من النوم الهادئ.
لذا ، فلنبتعد عن المناقاشات والحوارات الإنفعالية ، أو الخلافات والصراعات قبل ذهابنا للسرير ، أو مشاهدة ما يخيفنا أو يضايقنا بالتليفزيون ، أو بوسائل التواصل الإجتماعى كالفيس بوك . ولتكن الساعتان الأخيرتان من يومنا مرحتين هادئتين .
أختى وأخى ، إن أردنا الراحة والصحة .. فلنتمتع بالظلام التام عند نومنا .. ولنكن حادين فى قرارتنا
لنغلق أجهزتنا الزرقاء قبل ذهابنا للنوم .
لنمتنع عن مناقشة خلافاتنا وصراعاتنا ليلاً .
لتكون سهراتنا وليالينا مليئة بالبهجة والفرحة وراحة البال .
لنستمتع بالنوم المريح فى الظلام .
أتمنى لكم نوماً هنيئاً ……