مجلة النجوم – سيدني.
بقلم أخصائية التغذية – سهير سلمان منيّر
ترتبط طفولة الكثيرين بـ شجرة التوت فثمارها متنوعة المذاقات وتمتاز بألوان ثمرتها المدهشة من الحمراء والصفراء حتى الموشحّة وغيرها، وهي خضراء وارفة الظلال توفّر الأفياء في محيط البيت في أيار وحزيران .مثلما أيضاً ساهمت الشجرة البيتوتية بـ تبديد ملل الأطفال وترفيههم فهي عنوان أرجوحتهم المحمولة على حبال ثبتتّ في أغصانها علاوة على تمكينهم من مزاولة شقاوتهم في صيد العصافير وهي تقبل عليها بحثاً عن ثمار تسد جوعها.
لعبت التوتة دوراً “تاريخيا” منذ بداية البدايات فلم يجد سيدنا آدم وزوجته حواء ما يغطيان فيه عورتيهما بعدما تورطا بـ الأكل من الشجرة التي نهاه الله عنها فوجدا نفسيهما عاريين فأخذا يغطيان عوراتهما بورق من أوراق أشجار الجنة، حيث رسخ في ذهن البشر أن هذه الأوراق هي أوراق التوت، ومن وقتها توظف الورقة في السياسية حيث يقال هذه “ورقة توت”( وأحياناً يقال “ورقة تين”) محاولة لتغطية الممنوع أو الفاسد.
في بلادنا فلسطين تلعب التوتة دوراً سياسياً ليس فقط أنها من ملامحها الخضراء وجزء من هويتها الوطنية تحرس الذاكرة والهوية أمام مشاريع تغيير هوية المكان وتهويده كـ الزيتون والصبار والتين، فهي رمز للعودة منذ أن خاطبها حادي الثورة أبو عرب وكأنها ابنته المدللّة الساكنة في وجدانه والمسكون فيها بعدما اختزل معاني البيت والحنين له والوطن والعودة له في قصيدة قوتها ومفعولها الكبير في بساطتها ،قصيدة “يا توتة الدار” وفيها أنشد من أعماق أعماقه بصوته الشجي الملتهب: يا توتة الدار صبرك على الزمان ان جار… لا بد ما نعود مهما طول المشوار يا يابا……. يا توتة الدار حلفتك برب الكون…… لا بد ما نعود مهما طول المشوار يا يابا..”. لكن ورغم هذه الرمزية وهذا الدلال دخلت أنواع جديدة مستوردة من التوت تنافس التوتة الفلسطينية البلدية أبرزها شجرة التوت الباكستانية التي تنمو بسرعة كبيرة جدا وتثمر بعد عامين من زرعها غرسة صغيرة وتتميز بحلاوة ثمارها وطولها فالثمرة الواحدة تتجاوز بطولها إصبع اليد ولونها أحمر داكن إلى اللون الأسود.
خواصها الطبية
ويوضح المهندس الزراعي الفلسطيني نبيل غنايم من مدينة باقة الغربية أن هناك مئات من أنواع التوت في العالم وفي فلسطين عدة أنواع تختلف أشكالها وألوانها وأطعمتها. منوهاً أن التوت يساعد على محاربة سرطان القولون، سرطان المريء، وسرطان الجلد ويحتوي على كمية كبيرة من الأملاح المعدنية مثل الفوسفور، الصوديوم، البوتاسيوم، الكالسيوم، الحديد، النحاس، المنجنيز، الكبريت، وبذلك فهو مصدر ممتاز للأملاح المعدنية.
كما يشير أن ثمرة التوت تحتوي على فيتامينات مثل أ، ب، ج بالإضافة إلى البروتين والمواد الدهنية والسكرية وحمض الليمون وتبلغ القيمة الحرارية لكل 100جم من التوت حوالى 7.5سعر حراري.
كما يعتبر تناول التوت مفيداً جداً في حالات فقر الدم ، ويستخدم عصير التوت في المجال الطبى لإضافته مع الأدوية بغرض التلوين وتحسين الطعم. والتوت فاكهة طيبة الطعم وشرابه من أكثر العصائر تداولاً في بعض الدول العربية.
في فلسطين لا تخلو البيوت وحدائقها في الأرياف من شجرة التوت بل هناك قرية في محيط مدينة جنين اسمها “أم التوت” لوفرة هذه الأشجار في ربوعها.
زينة أشجار الحاكورة
ويوضح غنايم أن شجرة التوت البلدي طالما كانت جزء مهما من مرافق البيت الفلسطيني لكنها كانت تزع في حاكورة البيت بعيداً عن جدرانه، وذلك لتجنب خطر جذورها الممتدة عميقاً وعرضياً.
ويشير غنايم لـ استخدامات اجتماعية لشجرة التوت وفي غير مواسمها إذ يستظل في فيّها الوارف أفراد العائلة بكافة فئاتهم أيام الصيف والحّر الشديد وتشكل متسعاً للعمل المنزلي لربات البيوت كأعمال عصر البندورة ورب الخروب، أو عصر اليقطين، وتتجمع الصبايا للتطريز واللقاء وكذلك العجائز والجارات والزائرات حول فنجان القهوة في الصباح أو في ساعات العصر حيث يقول المثل المحلي “فوّت نصر ولا تفوّت قهوة العصر”.
وفي الأرياف الفلسطينية اعتاد فلاحون في مواسم الصيف الحارة لمدّ الفراش والبسط والحصر والمساند تحت توتة الدار للسهر والخلود للنوم هناك مستفيدين من نسائم الغرب. وطبقا لـ مركز العمل التنموي “معا”(في القدس)هناك أشجار توت برية طالما استظل في أفيائها الرعاة في الصيق والحر القائظ هم ومواشيهم وهي شجرة تحتمل الظروف الجوية غير الملائمة بدرجة كبيرة حيث تقاوم ارتفاع درجات الحرارة فيما تصلح أخشابها لصناعة الأثاث وأعمال الزخرفة والحفر. منوها أن أوراق شجرة التوت كانت تستخدم لتغذية دودة القز أيام كانت فلسطين وبلاد الشام تصنع الحرير من خيوط شرنقة دودة القز.
ويقول “معا” في هذا المضمار إن شجرة التوت ورد ذكرها في كثير من القصص الشعبية والحكايات وكذلك الأغاني الرجالية والنسائية.
في الطب العربي الإسلامي
منبّهاً إلى أن قدماء الأطباء تحدثوا عن فوائد التوت الطبية، فقال عنه الرازي: “أما الحلو فيسخن قليلا، وينفخ ويلطخ المعدة، ويصدع المحرورين، أما الشامي الحامض والمز فإنه يقمع الصفراء ويطفئ حدّة الدم.
أما داود الأنطاكي فقال في إن التوت يسمى الفرصاد، وهو من الأشجار اللبنية، والتوت إما ابيض ويعرف بالنبطى، وعندنا الحلبي، أو اسود عند استوائه احمر قبل ذلك، ويعرف بالشامى، والكل يدرك أوائل الصيف، والنبطى يولد دما جديدا، ويسمن، ويفتح السدد ويصلح الكبد، ويربى شحم الكلى، ويزيل فساد الطحال … والشامى يطفئ اللهب والعطش. والتوت كله ينفع أورام الحلق واللثة، والجدرى، والسعال، والحصبة، وخصوصا شرابة”.
التوت في الأمثال والأهازيج الشعبية
وتماز شجرة التوت أيضاً بالأمثال والأهازيج الشعبية وفي الأغاني الفلسطينية والعربية كـ القول “سقطت ورقة التوت” و “اللي بدو مرتو تعيش يوقدلها حطب عريش واللي بدو مرتو تموت يوقدلها حطب توت”،”اللي ما برضى بـ التوت برضى ب شرابه”، و “بـ أيار توت ومشمش وخيار” الخ.
وهناك أهازيج شعبية ومهاهاة تستخدم في الأعراس ترد فيها شجرة التوت: وقفب على حيلك وخلي اللي بطق يموت… يا شجرة المستكة وحاملة هالتوت.. وانت من بنت طيب الاصل واصلك مثبوت وجدودك بالمقبرة تستاهل التابوت أو الزغروت”،”بـ فيّ الزتونة وارقصو لـ تامر بـ فيّ الزتونة.. بدو المزيونة والله تكرم عينه بدو المزيونة.. بـ فيّ التوتة ارقصو للعريس بـ فيّ الزتونة.. رقصة وزغرودة بستاهل هالغالي رقصة وزغرودة” و “الزين على التوتة يا بنات والزين على التوتة يا لا لا.. سحجة وزغروتة للعريس يا لا لا”، وتناولت بعض الأغاني العربية الحديثة التوت أيضا كما في أغنية ملحم بركات:”لا تهزي كبوش التوتة..أنا يا بنت مجوز…” .
رابط مختصر: https://anoujoum.com.au/?p=21164