مجلة النجوم – سيدني
جوزيف بو نصار هو ممثل، وكاتب، ومخرج مسرحي بدأ مسيرته الفنية مع رائد المسرح اللبناني المعاصر؛ منير أبو دبس قبل أن يسافر إلى بولندا؛ لتعلم أصول الفِن على يد المخرج العالمي <غروتوفسكي>، ثم انتقل إلى مدينة باريس، والتحق بِمسارحها، واكتسب مزيداً من الخبرات، والمعلومات. وبعد عودته إلى بيروت أسس فرقة مسرحية خاصة به قدمت مجموعة من الأعمال حصدت نجاحاً كبيراً.
أسباب مادية:
وكما كل المسرحيين تمسّك بو نصار بالمسرح، وما لبث أن انتقل بعد تردد إلى التلفزيون، كما يقول ويوضح: “اليوم، تنفذ الدراما المشتركة، والمحلية في العالم العربي بمواصفات جيدة جداً؛ لأن المنصات تطلب أعمالاً ذات قيمة فنية عالية”.
وقد ترددتُ كثيراً قبل العمل في التلفزيون، لاسيما أنني عملت لسنوات طويلة في المسرح والسينما، وكنت شبه رافض للعمل فيه، لكن قبل سنوات، وافقت كما معظم ممثلي جيلي على العمل في التلفزيون، ولطالما كانت الأعمال التجارية التافهة موجودة، ولكن عددها تراجع؛ نتيجة ارتفاع سقف الأعمال المحلية، والمشتركة. جئت إلى التلفزيون مع المخرج المسرحي <شكيب خوري> الذي تخرج من إحدى جامعات لندن، وقدمنا عملاً من بطولتي، ومنى طايع، ومنير معاصري بإمكانات عالية جداً.
أما ظهوري الثاني فكان من خلال مسلسل <<العاصفة تهب مرتين>> للكاتب: شكري أنيس فاخوري الذي حقق نجاحاً شعبياً كبيراً. صحيح أنني شاركت في كثير من الأعمال التلفزيونية، ولكنني لم أقبل يوماً بعمل دون المستوى؛ لأنني أعرف كيف أختار المسلسلات، ولا أجد نفسي مجبراً على القبول بأي عمل، وفي الأساس أنا عملت في الصحافة 25 عاماً؛ كي لا أضطر بقبول أدوار غير راضٍ عنها لأسباب مادية”.
يؤكد بو نصار أن عمله في التلفزيون لم يفقده الشغف بالمسرح الذي بدأ مساره الفني من خلاله عندما اشتغل مع منير أبو دبس في مدرسة “المسرح الحديث”، وعن هذه المرحلة يقول: “درست وشاركت لمدة ست سنوات في أعمال أبو دبس المسرحية، ومن بعدها قصدت محترف غروتوفسكي في بولندا، وكان من أهم المخرجين، ومدربي الممثلين في العالم، ثم عملتُ في فرنسا لمدة 5 سنوات مسرحياً قبل أن أعود إلى لبنان، ولأؤسس فرقة مسرحية ومسرحاً يتسع لـ90 مقعداً. وقدمنا أعمالاً مسرحية عالمية مهمة جداً بعد ترجمتها إلى العربية، كما قدمت بوصفي مخرج، وممثل أعمالاً كثيرة على أهم المسارح في لبنان.
شغفي بالمسرح لم يخِفْ أبداً، ولكن المراحل المرعبة التي عشناها في لبنان؛ بسبب الحروب أثرت علينا وعلى إخلاصنا له، هذا عدا الضائقة الاقتصادية التي بدأت قبل 7 سنوات، ولم يعد بإمكاننا تحمل خسارة عملنا المسرحي.
صحيح أننا لم نكن نريد أن نكسب قوتنا من وراء المسرح، إلا أننا في الوقت نفسه لم نكن نريد أن يكون سبباً في خسارتنا، كما أن الدولة “يتمت” المسرحي اللبناني ولم تقدم له المساعدة، مع أن 90 في المئة من الدول التي زُرتها أو أعرفها أو عَمِلت فيها، ومن ضمنها الدول العربية، تُخصِص ميزانية للمسرحيين؛ لكي يتمكنوا من الاستمرار في حال وقعوا في الخسارة. نحن “تساقطنا” الواحد تلو الآخر لأننا لم نعد نملك القدرة على الاحتمال”.
خبرة المخرج:
في المقابل، يؤكد بو نصار أنه لا يفتقد لعمله بوصفه مخرج، ويقول: “لا أريد القول إنني أتعدى على المخرج، ولكنني أدير نفسي كممثل. اللذة التي أشعر بها في المسرح بإعطاء القيمة للدور أمارسها على نفسي، وأنا أتناقش مع المخرج دائماً في أدواري وأصل بها إلى أماكن متقدمة من خلال خبرتي كمخرج”.
وفي ظل الإقبال على التعامل مع المخرجين الشباب، من يدير الآخر: الممثل المخضرم أم المخرج؟ يرد: “هناك جامعات في لبنان تعلم الإخراج، ومن بين 10 طلاب يدرسون المواد نفسها مع الأساتذة أنفسهم، يمكن أن يكون هناك مخرجان عبقريان، والباقون عاديون؛ والسبب يعود إلى الموهبة والعلم. وأسلم نفسي في عملي الجديد إلى المخرج التونسي الشاب مجدي السميري الذي لا يتجاوز عمره ستة وثلاثين عاماً، وأنا أكبره بثلاثين عاماً، و هناك مثله في لبنان 3 أو 4 مخرجين. ليس هناك معادلة واحدة تسري على كل المخرجين، والموهبة، والثقافة هما اللتان تميزان مخرجاً عن آخر”.
هل يرى بو نصار أن الفن يتحول إلى مهنة بالنسبة إلى الفنان نتيجة الظروف الاقتصادية الضاغطة؟ يجيب: “التمثيل هو شغف، وعندما يتحول هذا الشعف إلى جني للمال فقط فإنه يصبح مهنة، ويبدأ بالانتهاء، ولكن طالما أنّ فرح العمل، وحب المهنة موجودان فإنه يصبح رسالة”.
وهل يبقى هذا الشغف موجوداً عندما يشارك الممثل في 7 أعمال سنوياً، وهل ترضي جميعها قناعاته؟ يقول بو نصار: “لا يمكن إدراجي مع هذا النوع من الممثلين. شخصياً، لا يمكن أن أصور عملين في وقت واحد، وعندما أنتهي من تصوير عمل ما، فإنني أنتظر العمل الذي يرضيني وأشتغل عليه من الألف إلى الياء. وبعد إنجاز تصويره أنتظر مدة من الزمن؛ لكي أتثقف، وأشاهد أفلاماً عالمية، وأستمع إلى الموسيقى؛ لكي أشعر بأنني قادر على العطاء أكثر، لكنّ هناك ممثلين يقبلون بأكثر من عمل في وقت واحد، ويقدمون أدواراً متشابهة ولا يبتعدون عن الشاشة، حتى إنّ الناس يملون منهم، وهؤلاء لهم أسبابهم وآراؤهم”.
هل يرى بو نصار أنّ الممثل العربي قادر على منافسة النجوم العالميين بأدائه، و لاسيما الممثلين الذين يعدّهم بعض الناس مثلاً أعلى لهم مثل: روبرت دي نيرو، وآل باتشينو، وغيرهما. يقول بو نصار: “هم موجودون اليوم، وفي الماضي كانوا موجودين أيضاً، ولكن بنسب متفاوتة. فإذا كان هناك 100 ممثل عظيم في أميركا، فهناك 3 ممثلين عظماء في العالم العربي، لكنهم في الغرب معروفون أكثر؛ بسبب وفرة إنتاجاتهم.
في أي بلد في العالم مثل: مصر، والهند، واليابان، والصين، وأوروبا هناك ممثلون قادرون على منافسة الممثلين العالميين الهوليووديين. وعربياً، يلفت نظري أحمد مظهر؛ فهو ممثل مبدع، ولا شيء يمنع من أن يكون عالمياً، وهناك أيضاً شكري سرحان، ولكنني لا أقول إنهما أهم من عمر الشريف، بل هو مثلهما، ولكنه وصل إلى العالمية”.
ومع أن جوزيف بو نصار نَوع في أدواره، وفي الشخصيات التي قدمها، هل أسره شكله في أدوار الشر أكثر من سواها؟ يجيب: “ربما! ويعود السبب إلى ملامحي، وقوة حضوري، وصوتي القاسي، والعميق، والمسيطر، ومجموعة من العوامل الأخرى، ولكن إلى جانب هذه الأدوار التي أحببتها، ولعبتها من قلبي، أديتُ أيضاً أدواراً متنوعة في المسرح، والسينما، والتلفزيون، تنوعت بين الكوميدي، والهادئ، والحنون.
وأعتقد أن أول ما يجب أن يفعله الممثل الواعي الذي يحب مهنته هو الموافقة على الدور الذي يحبه، ومن ثم يشتغل عليه مهما كان نوعه. وهناك الذريعة التي تعطي سبباً لكل المشاهد، والتصرفات التي يؤديها الممثل. يجب على الممثل أن يدرس الدور جيداً، ويتعب عليه. لا أحب الممثلين الذين يمثلون فقط من دون التعب على الدور. المهنة صعبة جداً، ولا يكفي الوقوف أمام الكاميرا ووضع الميك اب؛ لكي نبدو وسيمين، وظرفاء. وبالنسبة لي الممثل كالطبيب، ويمكن لأي خطأ أن يقضي عليه”.
انتهى بو نصار في سبتمبر (أيلول) الماضي من تصوير مسلسل لبناني – سوري أردني مشترك بعنوان “السجين”، وهو من إنتاج شركة “جينوميديا”. ويتابع حالياً تصوير مسلسل “من… إلى” للمخرج مجدي السميري، ويضم عدداً كبيراً من الممثلين، وهو من إنتاج شركة “الصباح”، على أن يباشر خلال المدة المقبلة تصوير مسلسل جديد.
ويرى أنّ المنصات خدمت الدراما؛ لأنها تطلب كمية وفيرة من المسلسلات المحلية، والمشتركة المنفذة جداً، بحيث يستغرق تصوير الحلقة 4 أيام، كما أنها شرعت أبواب العمل أمام الممثلين، والمخرجين، والكتاب، والتقنين. ويوضح أنّ قطاع التمثيل لم يتأثر بتردي الأزمة الاقتصادية العالمية، وإنّ جائحة كورونا أبطأت عجلة الإنتاجات قليلاً، ولكنها لم توقفها، عدا عن أنها شجعت المنتجين على المغامرة من خلال زيادة عدد أعمالهم.
رابط مختصر: https://anoujoum.com.au/?p=11729