كثيرا ما تتعارض آمال الوالدين مع طموحات الأبناء ويظهر هذا التعارض جليا في مرحلة ما بعد المسلك الثانوي أي بعد نيل شهادة الثانوي «البكالوريا» عندما نقف على مفترق الاختيارات ويصبح للأبناء حق اختيار المصير الذي قد يتصادم مع رؤية الوالدين لمستقبل أبنائهم
ويبدو هذا واضحا خصوصا في العقلية العربية التي تؤمن بأحقية تحديد مسار الأبناء استنادا الى التجربة والخبرة الحياتية، لكن جيل اليوم جيل متمرد على كل ما هو قديم يسعى الى التحرر من سلطة الوالدين كما أن المرحلة العمرية هي مرحلة بناء الشخصية فتكون أناة الشاب «ة» متضخمة يؤمن بقدرته وصواب اختياراته ليفرض رأيه ليس لأنه مقتنع بصوابه بل فقد لينتصر لذاته على حساب سلطة الوالدين
هنا تتخذ الحوارات الأسرية طابع المفاوضات السياسية لتكسوها تارة صبغة الإقناع والتراضي وتارة أخرى صبغة التهديد والفرض
غافلين تماما على ان أساس نجاح الشاب في مساره الدراسي مبني على اختياراته ومؤهلاته وان محاولة الاباء في استغلال حياة أبنائهم لتحقيق أحلامهم المؤجلة هي محاولات تتسم بالأنانية المفرطة
فيتم تجاهل رغبات الأبناء على حساب رغبات الآباء فيصبح الصراع قويا وقد يتطور الى خصام وتمرد او خضوع وفشل، يجب على الآباء في هذه المرحلة اعتماد أسلوب الحوار من خلال تطوير العلاقة بينهم وبين أبنائهم الى مستوى المصاحبة ليتكسر جدار السلطة بينهم وهذا يعتمد على مرونة أولياء الأمور من خلال نزولهم من قمة الاحقية الى سفح المشاركة وليس فقط في المجال الدراسي بل في كل سلوكيات الحياة ومجالاتها المختلفة حتى يتأتى لنا بناء جسر متين بين عقلية الأمس وعقلية اليوم .
ان الأساس في هذه المصالحة القناعة التامة بأن ابناءنا خلقوا لزمان غير زماننا بمعنى يجب تجاوز معتقداتنا الفكرية المحصورة بالفترة التاريخية التي نشأنا فيها كآباء والتطلع الى الظروف الحياتية العامة والخاصة لنشأة الأبناء والتي ومن المؤكد انها تختلف جملة وتفصيلا عن أيامنا نحن، لهذا كله يجب الاكتفاء بالإشراف على اختيارات أبنائنا واتخاذ دور الناصح والموجه لمساعدته على اكتساب التجربة الذاتية التي ستكون له دعامة قوية في تأسيس شخصيته المستقبلية