[slideshow_deploy id=’2289′]

بقلم / سهير آل ابراهيم

تستهويني المفاتيح جداً، و لي معها علاقة قديمة؛ تعود الى سنوات الطفولة البعيدة. كانت الأبواب قديمة في دار طفولتي، و كانت مفاتيحها كبيرة، أو هكذا كانت تبدو للطفلة التي كنتها! دخلت ذات يوم مع صديقتي الى غرفة من غرف ذلك الدار، و أغلقنا الباب خلفنا، و لا أدري لماذا أدرنا المفتاح و أقفلنا الباب و لم نتمكن من فتحها عندما اردنا الخروج من الغرفة! انتابنا الهلع و تعالى صراخنا، فجاءت أمي لنجدتنا، و عندما لم نتمكن من فتح الباب بمساعدة توجيهاتها، طلبت منا اخيرا ان نحاول إخراج المفتاح من مكانه و إلقائه من النافذة الى الحديقة، و هكذا تمكنت من إخراجنا من تلك الغرفة، التي ظننت لوهلة اني سأمضي باقي العمر حبيستها! أدركت حينها ان للمفتاح قوة كبيرة، تقهر سطوة الأقفال و تفتح مغاليق الأبواب.
لا أزال أذكر أول مفتاح اشتريته قبل سنوات من محل يعرض للبيع قطعاً لها تاريخ طويل. أعجبني شكله، و كأن بصمات الزمن التي ظهرت عليه على شكل صدأ كانت تحكي الكثير من الحكايات.
لم أكن اعلم حينها أن المفتاح تميمة من أقدم تمائم الحظ السعيد! فقد ساد معتقد عند الإغريق و الرومان أن المفتاح يجلب الحظ السعيد، لأنه يفتح أبواب الآلهة، فتصل اليهم صلوات الناس و دعواتهم. و لا يزال اليابانيون الى اليوم يتفاءلون بالإحتفاظ بثلاثة مفاتيح مربوطة ببعضها البعض، لانها، وفقاً لمعتقداتهم، ستفتح أبواب العافية و الغنى و الحب!
رغم تشاؤم الكثير من الناس من الغراب، الا ان أمي رحمها الله كانت تستبشر خيرا عند سماع صوته! كانت تعتبر نعيقه إيذاناً بقدوم رسالة من اخوتي الذين أخذتهم سبل الحياة الى اصقاع الارض البعيدة. كانت تضع التمر فوق سور الدار مكافأة للغُراب بعد وصول كل رسالة، مثلما كان ساعي البريد يحصل على مكافأة منها! كان الغراب ينعق، و كانت الرسائل تأتي، و لا أحد يعلم ان كانت هنالك علاقة بين الأمرين!
من الغراب الى الفيل، إذ يُعتبر الفيل رمزاً للحظ السعيد لدى بعض الشعوب، فهم يعتقدون انه يجلب الحظ السعيد في اَي مكان يتواجد فيه، خصوصا في الهند، حيث ان الإله كانيشا عندهم هو مزيل العوائق و جالب الحظ السعيد، علما إن لذلك الإله هيئة إنسان له خرطوم فيل! نظراً لذكاء الفيل و عمره الطويل، فالبعض يعتبرونه رمزاً للحكمة و طول العمر.
و من الفيل الضخم الحجم الى الدعسوقة؛ تلك الخنفساء الصغيرة الجميلة المرقطة الجناحين، فهي أيضا بالنسبة للبعض جالبة للحظ السعيد. إذا حطت على يد إمرأة فإن عدد البقع السوداء على جناحيها يمثل عدد الأطفال الذين ستُرزق بهم تلك المرأة!
يقترن المثلث أيضاً بالحظ السعيد، و كان له حضوراً بارزاً عبر التاريخ، بسبب القوة التي يتمتع بها الهيكل المتكون من ذلك الشكل الهندسي. أضلاع المثلث الثلاثة كانت ترمز الى دورة الحياة التي تبدأ من الولادة مروراً عبر الحياة ثم الموت. أهرامات مصر أمثلة من عمق التاريخ لا تزال قائمة الى يومنا هذا، و التي تتكون من مثلثات هائلة تستند على بعضها و ترتكز على قاعدة مربعة.
يتشاءم البعض من المرور تحت سلم مُسند الى جدار، لأنهم يعتقدون إن ذلك المرور يكسر استمرارية المثلث المتكون من السلم و الارض و الجدار! يمثل المثلث بالنسبة للبعض العائلة؛ أم و أب و طفل، و طبعا بالنسبة للمسيحيين فهو الثالوث المقدس؛ الأب و الابن و الروح القدس. اذا اضطر شخص للمرور من تحت سلم و هو يتشاءم من ذلك، فانه يلف إصبعيه الأوسطين حول سبابتيه و يبصق ثلاث مرات بين درجات السلم لغرض طرد سوء الحظ الذي قد يسببه ذلك المرور!
من المدهش و اللطيف أيضاً بقاء و استمرار تلك المعتقدات و غيرها الكثير مما يتعلق بالحظ، رغم التقدم و التطور العلمي الكبير، و الذي طال جميع جوانب الحياة تقريبا، و اعتقد أن للأمل دور كبير في ذلك؛ فالغراب مثلا كان يمنح أمي الأمل بوصول رسالة من الأحبة! الأمل برأيي هو الحياة.