منى الصراف

كلنا سمعنا هذه الجملة ونعرف القصد منها تماما بين زامر او مغنية للحيّ . وبمعنى ان زامر الحيّ هذا لكثرة عزفه قد اعتادت الآذان عليه وبالتالي بات لا يطرب مهما فعل ، في حين لو ذهب الى قوم اخرين لأطربهم ، وهذا بحد ذاته بخس بحق الشخص لان مشكلته صارت في بيئة قومه ، وهناك شبه اجماع على ان هناك ظلما وحيثا لما يتعرض له الكثير من الكفاءات بسبب كونه من هذا البلد ، وكأن ابناء البلد الواحد يستكثرون عليه التميز واحيانا اخرى قد لايستوعبون قدراته او قد لا يصدقونها .
فالمغني هنا ليس فقط الاديب او الشاعر او الفنان او الطبيب او المهندس والكثير من تلك المسميات قد تصل الى بائع الطعام المتجول في عربة ليصل لهدفه ويكون صاحب اكبر سلسلة لمطاعم في بلده . ولا يخفى على الكثير منا ايضا إننا في السياسة حتى نقدر المساعي الأجنبية على المساعي المحلية حين تظهر ازمة ما بين الاطراف المحلية وحتى على صعيد خلافاتنا الشخصية نلاحظ اننا نستشهد برآي الغريب على بني جلدتنا ونثق بامكانياته ونستصغر شأننا عندما نقارن بالاجنبي .
لذلك نجد ان الكثيرين تركوا بلادهم ليبحثوا لهم عن فرص اخرى خارجه ، ليعودوا بعدها لوطنهم الأم بفرص اقوى من اقرانهم الذين يعملون بنفس الاختصاص . واعتبروا ان العيب في ديارهم وليس فيهم .
ولكن ماذا لو قلبنا المعادلة وقلنا لعل العيب في المغني اي فينا ! ، ودائما تجدنا نرمي باخطاءنا او بعدم قدرتنا على الاستمرار او النهوض في عنق البلد الذي ننتمي اليه .
ولم نتعلم ان الدافع الاساسي للنجاح يتغير اثناء مراحل حياتنا المختلفة وعلينا استيعاب هذه المتغيرات والبدأ مع كل مرحلة متغيرة . فالأحباط والفشل لا يعني نهاية العالم إلا أذا اردنا وضع هكذا نهاية لأنفسنا .
هنا لا اريد أن استشهد بأمثلة بعلماء ورجالات ونساء أجانب غيروا العالم بانجازاتهم كي لا أُتهمْ ايضا بأني استشهدت بالغريب على القريب .
استطاع الكثيرين من ابناء الحيّ الواحد ان يطربوا متلقيهم بنفس الحيّ .. فكيف استطاع هولاء ما لم نستطعه نحن .. والامثلة كثيرة في بلداننا بمختلف الأختصاصات .. في العلم والادب ، والفن وشعراء وادباء وفنانين بمختلف انواع الفنون الى ابسط مهنة وبمختلف العصور من القديمة الى الحديثة منها ، لدرجة انهم لم ينالوا الشهرة والتقدير في بلدانهم فقط بل ليصل هذا التقدير للخارج . حتى إن منتوجاتنا الوطنية كانت تضاهي الاجنبية ونالت رضى اهلها حينها ومازالت حاضرة ببلدان اخرى إذاً كيف استطاع هولاء النجاح والتميز ليصل للابداع في حيّهم اي بلدانهم ، ان هولاء المبدعين فهموا انفسهم اولا واستطاعوا تطوير مهاراتهم الذاتية واكتساب مهارات جديدة وباستمرار ، فقد امتلكوا ادواتهم الحقيقية ليحققوا لهم هدفا داخل بلدانهم واطربوا الحيّ بانغامهم . ان الشخص المتألق لا يعني بالضرورة انه على دراية بكل شيء يدور حوله ، ولو استطاع هذا المبدع ان يدرك المعرفة بالامور وبكل متغيراتها يستطيع عندها تحقيق الهدف . لذلك ماذا لو نقول عكس ما يشاع ان الخلل بصاحب المزمار وليس في الحيّ . فالذي لا يمتلك تلك المهارات والادوات للنهوض من الكبوات او لعله لايمتلك الوعي الكافي بما حوله من متغيرات واصبح كما هم الذين يمتلكون الطاقة الكامنة الكبيرة في حين سرعتهم صفر وتشتت اهدافهم . ففي بعض الأختصاصات على سبيل المثال نلاحظ ايضا ان بعض المبدعين قد أمتلكوا لغة متعالية ليحيطوا أنفسهم بهالة قد تكون كاذبة او اعتقد البعض انه نخبوي ويعمل للنخبة فقط وترك تلك القاعدة العريضة ( البين بين ) والذي كان من المفترض انه يعمل لهم وهم بالذات اي القاعدة او البين بين هولاء هم وحدهم من يرفعوا شأنه وليس تلك النخبة التي تحمل بنواياها الحسد او الغيرة او النفاق .
فكل الذين علا شأنهم كانت القاعدة هي الداعمة لهم لسبب بسيط هم الاكثرية وصوتهم يُحدث التغير .
ولكي نحقق لنا هدفا ونسعى للنجاح علينا اولا فهم تلك المعادلة اننا كمبدعين لن نكون نحن دون القاعدة . ولكي نحقق ذلك علينا ان نعلم ايضا ان الذين غيروا العالم نحو الافضل بدأوا من الخطوة الأولى وكان الفشل مرافق لهم كثيرا ، لكنهم لم يستسلموا بل زادهم هذا اصرارا على تحقيق النجاح في اي مجال من مجالات الحياة . وان تحديد الهدف الذي نسعى اليه ، عليه ان يكون اولا قريبا لرغبتنا الذي نطمح بتحقيقه وعدم التشتيت بتنوعها والسير اليه بخط مستقيم وموازي لخط المتغيرات والعمل على ايجاد الحلول لكل متغير .