“لماذا لا يزال هذا الملف معلقًا؟” بهذه العبارة الموجزة، يلخص مصدر أمني  الواقع المرير لقضية محلات وتطبيقات القمار غير القانونية في لبنان، والتي تتوسع بشكل مخيف دون أي رقابة فعالة. بدلًا من كبح انتشارها، نجد أنفسنا أمام مشهد مأساوي مستمر منذ ثلاث سنوات، والنتيجة واحدة: شبابٌ يغرقون في دوامة المراهنات، ديونٌ تتراكم، ومآسٍ تصل إلى حد الانتحار، بيع الممتلكات، وإعلان الإفلاس.

في ظل الفراغ الرقابي، وجد مستثمرون رُفضت طلباتهم سابقًا لاستثمار الألعاب الإلكترونية في لبنان، والتي يقتصر حق استثمارها على “كازينو لبنان”، منفذًا آخر: إنشاء منصات غير قانونية تجذب اللبنانيين والعرب والأجانب، مستغلين رغبتهم في الخصوصية، ومتجاوزين بذلك جميع القوانين والتشريعات.

وفي متابعة لهذا الموضوع، وخاصةً بالنسبة للمكاتب غير القانونية التي سبق لـ “لبنان 24” أن سلطت الضوء عليها في مقال سابق، يؤكد المصدر الأمني أن القضاء اللبناني تمكن من إغلاق أكثر من 620 مكتبًا، معظمها بقرارات صادرة عن المدعي العام التمييزي السابق القاضي غسان عويدات. ومع ذلك، فإن هذه المكاتب ليست سوى امتداد لمكاتب أكبر وفروع لمكاتب رئيسية تتواجد في الغالب خارج الأراضي اللبنانية، مما يوضح مدى صعوبة سيطرة الدولة اللبنانية عليها.

وتؤكد معلومات خاصة أن القوى الأمنية تمكنت من إلقاء القبض على رؤوس كبيرة، خاصة في مجال مكاتب البورصة غير القانونية، الذين كانوا يتمتعون بنفوذ كبير في لبنان، وذلك من خلال استغلال مؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي لدفعهم إلى وضع إعلانات تهدف إلى استدراج الشباب الذين لا يملكون خبرة في هذا المجال. والواقع أن هؤلاء لا يستثمرون في البورصة أصلًا، بل يقومون بتحويل الأموال إلى الخارج بانتظار أي صفقة خاسرة، ثم يرسلون نتائجها إلى الأشخاص الذين لا يحق لهم استرداد أي مبلغ، طالما أن المستثمر أو صاحب رأس المال يتحمل الأرباح والخسائر، بينما يحصل المشغل على نسبة من الأموال سواء ربحت الصفقة أم خسرت.

وحسب المصدر الأمني، فإن مكاتب البورصة بدورها متصلة بشبكة من المواقع الإلكترونية التي نشأت خلال فترة تقاعس “كازينو لبنان” عن تشغيل موقع قانوني للقمار “أونلاين”. ومن هنا، استغل المستثمرون تأخر الكازينو في إطلاق المنصة، خاصة وأن وزارة المال أرسلت كتبًا عديدة للإدارة تحثها على إطلاق هذه الخدمة، وذلك للحد من الانتشار غير القانوني للمواقع الموجودة في لبنان، والتي يتجاوز عددها حاليًا 30 موقعًا، حسب المصادر. ولكن الرقم لا يهم، إذ يمكن لهذه المواقع إعادة إحياء مواقعها التي تم حجبها من قبل وزارة الاتصالات بالتعاون مع الجهات المختصة. بالإضافة إلى ذلك، فإن خدمات التحايل عبر الإنترنت، واللعب على عناوين الخوادم، تمكن اللبنانيين من الوصول إلى هذه المواقع مرة أخرى من داخل الأراضي اللبنانية.

وعلى الرغم من إطلاق خدمة القمار الإلكتروني القانونية، إلا أن هذه الخطوة جاءت متأخرة جدًا حسب المختصين، الذين يؤكدون أن اللبنانيين اعتادوا دخول المواقع غير القانونية التي تخفي هويتهم عن السلطات، واعتادوا إخفاء خسائرهم، بل وحتى أرباحهم، لكي لا يظهروا مصادر دخلهم بشكل علني.

ومع ذلك، يطرح المصدر طريقة تفكير إدارة “كازينو لبنان” المفترضة، والتي ربما رأت أن إطلاق موقع إلكتروني وسط فوضى المواقع غير القانونية سيضعها أمام تحد كبير جدًا، خاصة على صعيد النفقات، أو حتى على صعيد المنافسة التي تفترض أنها خاسرة. والجدير بالذكر أن المواقع الأخرى يعتبرها المتابعون محمية من قبل رجال سياسة نافذين في لبنان، مما يحرم الدولة فعليًا عشرات الملايين من الدولارات التي يفترض أن يحققها الكازينو، ويسدد بدوره حصة الدولة من هذه الأرباح.

ولمعرفة المزيد من الأرقام، وضح حجم الأرباح المحققة، خاصة وأننا نتحدث هنا عن المقامرة ليس فقط التقليدية، بل أيضًا عن ما يعرف اليوم بالمقامرة الرياضية، والتي تعتبر من أسهل أنواع المقامرة بالنسبة للأشخاص الذين لا يملكون خبرة في لعب “لعبة القمار” المعروفة.

وتشير التقارير إلى أن قيمة سوق المراهنات العالمية على سباقات الخيل والرياضة قدرت بنحو 40 مليار دولار. وكانت أكبر سوق عالمية هي آسيا، حيث تم إجراء رهانات بقيمة 19.6 مليار دولار، تليها أوروبا بقيمة 15.2 مليار دولار، وأمريكا الشمالية بقيمة 2.3 مليار دولار. ويعزى نمو سوق المراهنات القانونية عبر الإنترنت إلى ارتفاع معدل انتشار الإنترنت، وزيادة استخدام الهاتف المحمول، وسهولة الوصول إلى المقامرة عبر الإنترنت، والانتشار الكبير للرعايات المؤسسية وتأييد المشاهير.

وبناءً على ذلك، يؤكد تقرير صادر عن الأمم المتحدة أنه على مدى العقدين الماضيين، توسعت المراهنات غير القانونية عبر الإنترنت نتيجة للنمو الهائل في استخدام الإنترنت، وعولمة مشاهدة الأحداث الرياضية والشعبية الناتجة عن ذلك للمراهنة على الأحداث الرياضية في البلدان ذات الصناعات القانونية المحدودة للمقامرة. فقد سمح الإنترنت لمشغلي منصات المقامرة عبر الإنترنت بالوصول إلى جمهور أكبر في المواقع التي تعتبر المقامرة فيها غير قانونية، وغالبًا ما يستغل المشغلون المواقف السياسية أو القانونية القائمة لاستضافة منصات المقامرة عبر الإنترنت بشكل استراتيجي في هذه المواقع حيث لا يمكن للسلطات المحلية اكتشافها بسهولة. وتشمل هذه الأنشطة غير القانونية غسل الأموال من خلال المراهنة عبر إساءة استخدام الخدمات التي تقدمها شركات المراهنات (وهذا ما يحصل في لبنان)، وبيع الحسابات المخترقة لشركات المراهنات الرياضية، واختراق مشغلي المراهنات البارزين للحصول على معلومات استخباراتية تنافسية، وإدارة عمليات مراهنة غير قانونية مستقلة عبر الإنترنت. وعلاوة على ذلك، تلعب المنتديات العامة والمنتديات السرية ووسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الرسائل دورًا مهمًا في عولمة الأنشطة غير المشروعة، بما في ذلك التلاعب بالمنافسة والمراهنات غير القانونية.

من هنا، يؤكد المصدر الأمني أن الأمور تتخذ منحى آخر، خاصة على صعيد كيفية الدفع عبر المنصات، مع انتشار استخدام العملات الرقمية بين الشباب اللبناني، الضحية الأبرز لهذه الشركات، والتي بالتوازي سحبت البساط من تحت المكاتب التي بدأ يخف وهجها في لبنان، والتي أصبح اللبنانيون يخافون من ارتيادها، إذ يقتصر روادها على الرجال كبار السن الذين يلعبون القمار داخل “مقاهي” توفر هذه الخدمة بشكل سري للغاية.

وقد استفاد اللبنانيون من إمكانية الدفع من خلال هذه العملات عبر المواقع غير القانونية، حيث يمكن للمستخدمين تأكيد المعاملات دون الحاجة إلى بنك لتسويتها. ونظرًا لأن العملات المشفرة آمنة وشكل من أشكال النقود الإلكترونية، فهي مثالية للاستخدام في المعاملات عبر الإنترنت. ومع ذلك، ونظرًا لأنه يمكن استخدام العملات المشفرة في المعاملات دون مشاركة البنك، فهناك مخاطر كبيرة تتعلق بالإخفاء وكيف يتيح ذلك استخدام المعاملات لأغراض غير قانونية.

ولا تزال الدولة تبحث عن حل لهذه الممارسات، إلا أن الاستفاقة المتأخرة أوضحت نتائجها التي تتمثل في خسارة المليارات على مدى السنوات الماضية، والأرقام مرشحة للارتفاع، إذ أن المواقع غير القانونية ثبتت أركانها في نظام اللعب اللبناني، ولن تستطيع الشركة المخولة تشغيل الألعاب الإلكترونية في لبنان، والتي تتبع للكازينو، من مواجهة إمبراطوريات بنت على مدى أكثر من 20 عامًا عالمًا افتراضيًا جذبت إليه الشباب اللبناني، وتمكنت من سحب البساط

المصدر: