يقولون إنّ النساء متذمرات شكّاءات لا يقفن عن النقنقة والصراخ والبكاء ..يرون الرجل جيبا متنقلا و كيسا من المال الذي لا ينضب و لا ينتهي ..هات هات كلمة النشيد الرسمي ..يرددنها صباحا مساء لا يتعب الفم و اللسان من ترديدها ..
المرأة التي لا تطلب لا يمكن أن تكون سوى صنم ميت ..المرأة الحقيقة هي التي تنقب رأس زوجها بطلباتها و تدقّ على طبلة أذنه إلى حد رقصته كالطير المذبوح يومها تعرف انه حي و انه يتحرّك و ينفعل ..الرجال لا ينفعلون إلا أمام سيرة المال ..
كل هذه الحكم الفريدة لم تكن تؤمن بها راوية كانت أليفة كطائر نورس و لا تحبّ أن تكون ضمن القطيع في شكواه ولا ككل النساء اللواتي تتكسر طموحاتها على حائط التخفيضات الموسمية و تُسْكت لغوها لغةُ الدينار …بحثت كثيرا عنه ذلك الرّجل الذي يلجم أنوثتها و يطوق أزمنتها بذاته ورجولته ووسامته ..

راوية امرأة من زمن آخر تتحدث عن عبق القصائد و زرقة البحر و سحر القهوة و خطوات مبعثرة على البحر يمكنها أن تصل بها إلى سرمدية لا متناهية ,,تعتقد في الرومنسية كدين..يهدي الناس يحدّ من توتّرهم و يرفع من مستوى قلوبهم ..سنفونية واحدة تسمعها مع من تحبّ قادرة على تحويل وجهة الكرة الأرضية..و إسقاط نيزك من سماء..
قالوا لها إن الزمن يتحول يا راوية و لا داعي للمثالية التي تؤمنين بها .. لكنها أصرّت على البحث عن قلب يحتمل الجنون …وجدته في شكل مثالي كما تخيلت كما تصورت في الحلم و في الخيال كما شكلته من طين انتظاراتها..

رجل برتبة وسيم أمير بصفة شاعر بجناحي عصفور يؤمن بالحرية و الحلم و الفوضى الرقيقة ..تلك الصدف التي لا تتكرر سوى مرة و نصف في الحياة ..نبضة واحدة و يسقط في الشراك أيّ باحث عن الهوى ..
بينهما مرّت هزة بسيطة من الكهرباء و نما دون وعي بستان من النرجس الآسر و بدت راوية تبحث عن ترتيب نفسها لتكون أميرة في بلاط هذا الملك الذي يختلف عن كل من تراهم في محيطها غادين رائحين ..
وهبتها السماوات ما تحب و ما رسمت في لوحة انتظاراتها …شاركها الجميع انتظار فرحتها و كدسوا الورود في رواق بيتها ..علت الزغاريد مهللة بالفرح الذي طال انتظاره ..لم تطلب و لم تتشرط فقط ان يكون الحلم الذي بينهما مشتركا ..مدته بدفتر شيكاتها كي يكمل مستلزمات البيت الذي أجراه معا في إحدى الأحياء الرّاقية..ثقة لا تنتهي بينهما في الذوق و في اختيار المشتريات …كانت تنسق وصول حاجاتها بالهاتف لتنشغل بجمالها و تهذيب ذاتها ..لم يشأ ان يزعجها بالذهاب و الاياب ..

«ضع الورد الزّهري في أول الصالة ..الستائر «البيج» ..علقها في غرفة النوم …لا تنس تلك التحف رصّفها على الطاولة الكبيرة ..بين بسمات و ضحكات يموت اليوم ليأتي يوم آخر يقرّب الحبيبين من ليلة كبرى قرّرا أن يضعا لها عنوانا «ليلة السحر «..
يقترب اليوم و تزداد انشغالات راوية و يزداد القلب العاشق نبضا و يفيض الشاعر من عبق سحره على أميرته الجميلة …التي تجهّزت و فاضت من السحر و الأنوثة ما يجعل العنوان يتبدل إلى أنوثة وسحر أخّاذ ..تنتظر الساحر يهرب بها فوق الغيم يخلصها من صورة النمط و نقنقة النساء ..تتعالى الزغاريد و الفرح…يطول انتظارها و لا تجد مجالا كي تصل إلى نورسها مرّت كل الاحتمالات أمام عينيها سيتأخّر لكنّه سيصل ..ماذا حصل خبت الفرحة لتتحوّل همهمات النساء إلى سياط يجلدها ..إلى مسدسات و كشرت الأفواه المزغردة منذ حين على أنياب للشامتات و للمتقوّلات …أسئلة ..أسئلة لا تنتهي ..

تشدّ راوية الرّحال نحو بيتها القادم ربما يجيبها الورد الزهري أو التحف التي اختاراها معا …كان البيت خاليا أجابها حارس العمارة أن الرجل الذي اختار معها البيت ووضع فيه بعض الأغراض عاد وأخذها…دفع إيجار شهر واعتذر لأنه سيسافر …

عرفت راوية أنّ صيّادها عرف طريق الدخول إلى قلبها و منافذه …أخذ ما يريد و غادر ببساطة …
اليوم تترصّد راوية مواسم التخفيضات
و تنقنق ككل النساء في حين يتأفف زوجها
و يواصل مشاهدة التلفاز ..