ميادة سليمان 

يحتفل العالم بعيد الميلاد المجيد، الّذي يعدّ ثاني أهمّ الأعياد المسيحيّة بعد عيد القيامة، وتحتفل به الطّوائف المسيحيّة بدءًا من ليلة 24 كانون الأول (ديسمبر) وحتّى 7 كانون الثاني (يناير)، حيث تزدان البيوت والمحلّات بمظاهر العيد ورموزه الّتي تعبّر عن الفرح والرّغبة في أن يعمّ السّلام، والحبّ سائر أرجاء المعمورة، فتُزيَّنُ البيوت بأكاليل من الأغصان دائمة الخضرة والّتي تعلّق على النّوافذ والأبواب.

أمّا في السّاحات العامّة، فتنتشر لافتات خاصّة وسلاسل ضوئيّة، كما توضع شجرة الميلاد في أماكن بارزة، على الرّغم من أنّه غير معروف تاريخ بدء زينة الميلاد، إلّا أنّه يقال بأنّ أوّل محلّ تجاريّ متخصّص بزينة الميلاد افتتح في ألمانيا في عام 1860، ثمّ تزايدت المحلّات، وتعدّدت، وتفنّنت في زينة الميلاد.

قصّة ميلاد السّيّد المسيح:

ورد في إنجيل لوقا: « إني أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَعُمُّ الشَّعْبَ كُلَّهُ: فَقَدْ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ».

تضمّن إنجيلا متّى ولوقا تفاصيل الميلاد، حيث جاء في إنجيل لوقا الّذي تطرّق للميلاد بالتّفصيل، أنّ الملاك جبريل ظهر لمريم العذراء في مدينة النّاصرة مرسَلاً من قِبل الله، وأخبرها أنّها ستحمل بقوّة الرّوح القدس بطفل «يكون عظيمًا» ولن» يكون لمُلكه نهاية»، وعندما اضطرب يوسف النّجّار -خطيب مريم- من روايتها ظهر له الملاك أيضًا في الحلم تصديقًا لرواية مريم وتشجيعًا له، ويتّفق إنجيلا متّى ولوقا أنّ ميلاد المسيح كان في مدينة بيت لحم بفلسطين.

قدّاس عيد الميلاد.. صلوات خاصّة تمتدّ لساعات:

يبدأ الاحتفال بعيد الميلاد في ليلة الرّابع والعشرين من شهر كانون الأول/ديسمبر، فيرتدي النّاس ثيابهم الجديدة ليحضروا قُدّاسًا بمناسبة عيد الميلاد. القدّاس عبارة عن صلوات خاصّة بالميلاد قد تمتدّ لعدّة ساعات، حيث يستذكر المسيحيّون السّيّد المسيح الّذي يؤمنون بأنّه تخلّى عن حياته كي يحيوا هم، وبعد القدّاس يشعل الأطفال والنّاس جميعًا المفرقعات احتفالاً بعيد الميلاد، ثمّ يذهبون للنّوم، وفي صباح اليوم التّالي، تجري التّحضيرات لعشاء الميلاد، ويتمّ تقبّل التّهاني بالعيد، وتبادل الهدايا مع الأهل والأصدقاء.

ترانيم الميلاد في الدول الغربية:

يتميّز الميلاد بموسيقاه الّتي تُقسم إلى قسمين:

١. الموسيقى الدّينيّة أو الكنسيّة:

وضعها رجال الدّين، حيث يعدّ أفرام السّريانيّ من أوائل من وضع قصائد ملحّنة للميلاد في القرن الرّابع الميلاديّ حتّى لقّب (شاعر الميلاد).

ولا تزال التّرانيم الّتي ألّفها في هذا الصّدد متداولة حتّى اليوم في الكنائس السّريانيّة، أمّا في أوروبا فيعدّ القدّيس أمبروسيوس(أسقف ميلانو) أوّل من وضع ترانيم خاصّة بعيد الميلاد باللغة اللاتينيّة، مثل قصيدة (Veni redemptor) (نور الأمم).

كما كتب الشّاعر الإسبانيّ برودنتيوس المتوفّى عام 413 للميلاد قصيدة باللغة اللاتينيّة أيضًا ماتزال مستعملة حتّى الآن بعنوان (Corde natus ex Parentis) (من محبّة الآب أُنجب).

٢. الموسيقى الشّعبيّة غير الكنسيّة:

ظهرت في القرن الثّاني عشر، وضع الرّاهب آدم من رهبنة القدّيس فيكتور في باريس أوّل أغانٍ شعبيّة غير كنسيّة عن الميلاد، وبالتّالي بدأت تنشأ الموسيقى الشّعبيّة لعيد الميلاد، أمّا أقدم ترانيم وأغاني الميلاد الّتي ظهرت بالإنكليزيّة فتعود لعام 1426 على يد جون آودلاي، وهو قسّيس في شروبشاير كتب

«ترانيم ميلاديّة» (بالإنجليزيّة القديمة: Caroles Cristemas)، وهو عبارة عن كتاب يضمّ 25 أغنية شعبيّة كانت تغنّى من قبل زائري المنازل خلال تبادل الهدايا عشيّة الميلاد.

. ترانيم عيد الميلاد في الدّول العربيّة

وضعت ترانيم الميلاد باللغة العربيّة في القرن الثّامن عشر، ومن أشهر من وضع هذه التّرانيم المطران عبد الله القرالي المتوفّى في عام 1724، كما عُرّبت أناشيد أخرى مشتقّة من أناشيد سريانيّة، مثل: «أرسل الله» و»سبحان الكلمة» وهما لا تزالان معروفتين بين المسيحيّين العرب حتّى اليوم.

وفي عام 1992 قامت الفنّانة اللبنانيّة فيروز بإصدار ألبوم يحوي أربع عشرة أغنية وترنيمة ميلاديّة، أغلبها كلمات عربيّة لألحان عالميّة، وهناك أيضًا ترانيم ميلاديّة خاصّة بالعرب أمثال «ليلة الميلاد» التي وضعها الأب اللبنانيّ منصور لبكي و»بضيعة زغيرة منسيّة» و»ضوّي بليالي سعيدة

رموز عيد الميلاد:

أوّلاً: المغارة

تعدّ المغارة أقدم من شجرة الميلاد تاريخيًّا، وترجع إلى القدّيس فرنسيس الأسيزي، الذي قام عام 1223 بتشييد مغارة حيّة، وانتقل هذا التقليد من إيطاليا إلى أوروبّا ومختلف أنحاء العالم.

ثانيًا: شجرة الميلاد

للشجرة قيمة كبيرة في الكتاب المقدّس (شجرة المعرفة) في قصّة الخلق والّتي أصبحت (شجرة الحياة) مع المسيح. وأوّل ذِكر لها في المسيحيّة يعود لعهد البابا القدّيس بونيفاس (634 – 709) الّذي أرسل بعثة تبشيريّة لألمانيا.

ثالثًا: النجمة

توضع النّجمة في البيوت على رأس شجرة عيد الميلاد، أو زينة على سطح البيوت كإشارة ورمز سماويّ للوعد. ونجمة بيت لحم كانت علامة الوعد؛ لأنّها قادت المجوس إلى مكان ولادة المسيح فقدّموا هناك الهدايا الثّمينة.

رابعاً: الطّوق أو الإكليل

يرمز إلى الطّبيعة الخالدة للحبّ الّذي لا ينتهي ولا يتوقّف، وتُذكّر، بحسب الأدبيّات المسيحيّة، بحبّ الله اللامحدود، وبالسّبب الحقيقيّ والصّادق لميلاد المسيح.

خامساً: الرّبطة

تربط الهدايا بربطة دليل على رابطة الأخوّة التي تجمع المؤمنين.

سادساً: العكازة

تمثل عصا الرّاعي. والجزء المعقوف أو الملتوي من العصا كان يستخدم لجلب الخروف الضّالّ.

سابعاً: الجرس

صوت الجرس يعني الفرح والبهجة، فهو يبشّر بالعيد ويحمل في طيّاته حنينًا يبعث الارتياح في النّفس. أمّا دوره فمهمّ في الحياة المسيحيّة، إذ استعمل الجرس للعثور على الخروف الضّالّ، كما يرمز إلى الهداية.

ثامناً: الشموع

تمثل نور الرّبّ، وهي تقدير الإنسان للنّجمة. أمّا الآن فتستخدم الأشرطة الضّوئيّة لذكرى ميلاد المسيح.

تاسعًا: ألوان زينة الميلاد:

يطغى على زينة الميلاد ثلاثة ألوان، هي:

* اللون الأخضر: يرمز «للحياة الأبديّة»، ولا سيّما مع استخدامه للأشجار دائمة الخضرة الّتي لا تفقد أوراقها.

* اللون الأحمر: يرمز لدم السّيّد المسيح الّذي أُريق في صَلبه (وفقًا لمعتقدات الدّيانة المسيحيّة).

* اللون الذهبي: لون مرتبط بعيد الميلاد، يرمز إلى هدايا المجوس الّتي قدّموها لمريم العذراء بعد ولادة السّيّد المسيح.

عاشرًا: بابا نويل:

يعتبر الكثيرون بابا نويل شخصيّة وهميّة. لكن للشّخصيّة أساس واقعيّ مستمد من شخصيّة القدّيس نيقولاس أسقف ميرا المتوفّى سنة 341م، والّذي لقّب بصانع العجائب لكثرة الخير الذي جرى على يديه، ومن وحي سيرته واهتمامه بالأحداث، اتّخذ كشخص وهميّ يوزّع الهدايا في عيد الميلاد، واسم «سانتا كلوز» جاء من اسمه بالإنكليزيّة سانت نيكولاس، وأوّل رسم لبابا نويل كان سنة 1862م وهو عبارة عن شخص صغير يبدو قزمًا يلبس ملابس حمراء وقبّعة صغيرة، وله ذقن طويلة بيضاء.