فداء زياد

في صالون التجميل سيدتان تلوكان حديثاً طازجاً في الزواج والطلاق بلكنة لبنانية هذا لا يعني شيئاً فأغلب النساء إذا ما دخلت صالونات تجميل هذه المدينة يوجهن ألسنتهن نحو بيروت وكأنك في مقهى وسط بيروت. اللافت في هذا الحديث لم تكن لكنته وسط الضجيج الذي يفلته لساني إذا ما دخلت فألقي بالنكات على جميع العاملين في صالون التجميل. لكنني يومها ألقي إلي حديث لسيدتين تسيطر على مضمون حديثهن سيدة ثالثة طُلقت لمرتين يا إلهي! تلك أسوأ مصائب القوم في هذه المدينة فالشفقة إطار تبروزت فيه صورة الحديث بالبحث حول أسباب الطلاق وألفاظ تعتبر هوية مدينة الشفقة الأولى في هذا الكوكب ختمت السيدتين الحديث برشفة قهوة وسيجارة سُحقت في المنفضة المقابلة لقلبي مباشرة «الله يستر على ولايانا» للغزي شخرة يستخدمها لحظة التعبير عن غضبه أسمعتها لنفسي وقلت بعد كل هذا لم سيستر الله على الولايا وكثيراً من الشتائم التي لا تليق للحياء العام أن يتقبلها. وصرت أردد الولايا وهو المصطلح المرهون بذاكرتي بصوت «بهجت الأباصيري» في مسرحية «مدرسة المشاغبين حين سئل عن الولية فقال «هي التي تولول على جوزها ساعة ما يموت» وينفرط التعريف بجملة كبيرة من الصراخ المشترك مع «مرسي الزيناتي» في مشهد هزلي يرادف هذا الهزل الذي يدور أمامي الآن سيدتين بمظهر لبناني تلفزيوني أنيق وحديث ريفي تقليدي فارغ. يحصر «الولية» بدور نمطي لا ينفك عن تلك الصور التي أردفتها لنا الحكايات الشعبية بأن «الولية» التي لم يطلها الستر هي غالباً ماتكون شريرة أو فاقدة للأهلية وقد تكون ابنة الغول أو الغولة نفسها.
احتياجات الستر.
في السيارة المتجهة بي نحو أحد المخيمات التي تعادل نصف مساحة المدينة مررنا بزحمة سير سببها موعد اندفاع الطلاب من السجون التعليمية. كانت دفعة كبيرة من الرؤوس المتشحة بالأبيض خرجت أشبه بصورة فوتغرافية لمشهد الحجيج طالبات سجون البنات التعليمية تجدهن متشابهات الملامح والملابس ولا يختلفن إلا في اتجاهات الطريق. شكلت هذه الكتلة تزاحماً كبيراً معتاداً عند الساعة الثانية عشر ظهراً أي ذروة الامتعاض الشعبي حتى انفجر السائق «يا الله كل هدول بنات من وين بدنا نسترهن ونجيب لهن شقق… الله يستر على الولايا»
ضحكت وقلت « ويستر عليك عمي» فألتفت وفي وجهه قنبلة «ليش شايفاني ولية» كان حواراً ساذجاً حيث أقحمت نفسي به لكن اعتراضه مبرر فهو لن ينتظر الستر أو أن يأتيه الستر بشقة وبيت فالستر على الولايا مأزق كبير على الشعب في ظل عدد كبير من الولايا اللاتي تركهن قطار الستر في المحطة.
الستر يقابل الشفقة
لفراغ يقتل نصف أيامنا هنا في المدينة تجدنا نضع جدول زيارات لبيوت الصديقات وهي عادة النساء في كل المدن لكنها عادة قتل الفراغ ووحشة العتمة في هذه المدينة
كانت آخر زيارتي لصديقاتي اللاتي يسكنّ بصحبة الأم والأب وتزامن وقت الزيارة بوقت عودة الأم من حفل خطبة إحدى فتيات الحي. دخلت إلينا تتأمل وجوه خمس صديقات لم يركبن في قطار الستر وكُتب على جبينها كلمة واحدة «ياخسارة» أكبرهن تسع وثلاثين وأصغرهم ثلاثين. جففنا الكلمة عن جبينها المتعرق وبادرنا بسؤالها عن الخطبة. لكن الرد على هذا السؤال ثابتاً في خانة العائلة في الهوية الغزية «عقبال سعادتكن» وسعادتكن ترادف الستر في القاموس الشعبي. إنها تقول بنبرة المهموم عند عتبة بيته وتقولها أيضاً جدتي إذا ما اجتمعنا في حضنها سبع حفيدات لم يحصلن على تأشيرة الستر بعد وتقولها كل خالاتي إذا ما اجتمعنا في ساحة العرس للرقص جميع النساء هنا يشفقن على النساء الأخريات من بناتهن وبنات أخواتهن وحفيداتهن وحتى جاراتهن الكل يريد الستر لن تجد هذا المصطلح وحده يمشي في طريق الكلام إلا برفقة كلمة الولايا يقول الغزي «الله يسترها معنا» لكنها تشبه حالات خسوف القمر والتحالفات العربية نادراً ما تصدر بنبرة الإشفاق في مدينة تسول الشفقة الأولى والتوسل إلى الله بستر الولايا. لا أعتقد أن الله سيترك كل هذه المشاكل الكونية التي تطارد الجميع ويتفرغ للستر على الولايا دون غيرهن إذا ما تقبل العقل فكرة الستر المقرونة بالفضيحة والتي تجذب الفكر نحو زمن الموءودة.
هامش مستورة
أنا أرى أن كل ماورد سابقاً هو مساحة حرة لولية مستورة تسكن في أشد بقاع العالم عتمة وظلاماً وقيوداً ولن تجد من ذلك أشد ستراً تواصل الحياة من بلكون وتشرب باستمرار الينسون.