تمثيل قراءة الشعر
هاشم تايه
لم يُنتج المربد شكلاً أكثرَ حيويّة لقراءة الشعر، وإيصاله إلى جمهوره من الشكل التقليديّ المعتاد في كلّ دوراته، الشكل الذي لا يعدو وقوف الشاعر وراء منصّة، وإخراج مكوّنات النصّ الشعريّ التعبيريّة بمجرّد صوت، هو صوت الشاعر. وذلك يجعل الشعر يتحرّك بالصّوت على مسافة زمنيّة غير منظورة بين لسان الشاعر، وأذن جمهوره، ما يعني أنّ النصّ الشعريّ يتحقّق في مجال صوتيّ فحسب، في حين يمكن تحريك هذا النصّ عياناً في مجال مشاهدة، ورؤية متّسعة داخل فضاء مسرح يتحوّل فيه صوت الشاعر إلى مادة مرئيّة بالعين باستثمار أكثر من وسيط مادي متوفّر، وصولاً إلى إنجاز الانفعال بالشعر بأثرٍ من الصّوت، وأثرٍ من الرؤية داخل إطارٍ من التلقّي المزدوج، والاستجابة المتّسعة.
في كلّ مربد يتكرّر الأمر: يُنادى باسم الشاعر ليقرأ في مركز مسرح، فيهبّ قلقاً، في استجابة مَنْ يُساق ليُستجوب، أو يُختبَر من دون عونٍ من أحد، وسوف يقف حاملاً أثقلَ الكلمات وراء منصّةٍ، مستتراً، فلا يظهر من جسده إلاّ الرأس، والصّدر، والذّراعان، على مسرحٍ في فضاء مكانٍ محدّدٍ داخل محيط مشاهدة عامّة، فيدخل، شئنا، أم أبيْنا في سياق عَرْضٍ مرئيّ، لكنّ هذا العرض المرئيّ، بعناصره، مكاناً، وجسداً، وإنارة، وأثاثاً، وشاشة عارضة، وأجهزة صوت، لا يجري استثماره، عادةً، استثماراً تتفاعل فيه قوى الشعر الخاصّة مع قوى المكان\ المسرح بممكناته، بحيث ينتج عن هذا التفاعل قراءة مرئية للشعر داخل عرضٍ يتسع لرؤية القصيدة في مظهر عيانيّ متحرّك يُخرجها من جمودها في صوت، ويسمح بتلقّيها باستجابة من الأذن، والعين، وهي تتحول من مجرّدِ أصواتٍ إلى تجسّداتٍ، وتمثيلاتٍ. ويمكن إنتاج هذا الشكل الصُّوري التفاعليّ لقراءة الشعر بالاستعانة بمخرج مسرحيّ، ينتخب من بين قصائد المربد تلك القصائد التي تتوفّر على إمكانية إخراجها في عرضٍ مرئيّ. ويمكن أن يستعين المخرج بممثل لتجسيد مكونات النصّ اللغويّ حركيّاً بأعضاء جسده، بالتناغم مع صوت الشاعر.. هذا النوع من القراءة، لو تمّ الاهتمام بتبنيه في المربد، لأمكن أن نكسر رتابة تلقي الشعر بالشكل الذي اعتدناه، الشكل الذي يظهر فيه الشاعر وحيداً على مسرحٍ غير مكترث به، يخذله، متغاضياً عمّا يُطلقه من أصوات، ويتسرّب عدم الاكتراث، طبعاً، إلى الجمهور الذي سيتخندق وراء سلبيّته مادامت القصائد في تكرارها المملّ كأصوات مجرّدة، لا تحقّق تفاعلاً في مستويات رفيعة من التفاعل، مهما علتْ أصوات الشعراء، وهزّوا أذرعهم في الهواء.