مجلة النجوم سيدني
بقلم الكاتبة دينا سليم حنحن – بريزبن
في يوم ماطر ، لا مكان لك بين القساة
زرت متحف فان غوخ، افتتح في مدينة بريزبن 2021، كان يوما ماطرا، اكفهرت السماء وغضبت دون حدود، وشاركتني الحزن الذي أحسستُ به، بدأ التجوال في المعرض بلوحة جدارية لغرفة الفنان الصغيرة، دخلتُ في نفق كئيب، مشاعر تبعث على الحزن وعمق التفكير، سرير فقير، ونافذة مغلقة، ومنشفة معلقة قرب الباب، وكأنها السجن.
كان قد أقام فنسنت فان غوخ، في فترة ما من حياته، في آرلـيس/ الجنوب الفرنسي، رسم غرفته سنة 1888 ثلاث مرات، طلى الجدران، والكرسيين، والنافذة، باللون الأصفر الشاحب، المفضل لديه، رسم غطاء السرير الخشبي ووسادتين، ترك على المنضدة الألوان وفرشايات الثياب،
والقليل من فرش الرسم، وإبريق ماء، يعني، أراد أن يترك انطباعا جيدا لحياة هادئة ومستقرة تمنى أن يعيشها، رغم أنه في الحقيقة.
أغلق النوافذ بلوحاته التي لم تبع في حياته، عانى الفقر، والعوز، والانعزال، والمرض، والبرد الشديد.
فكان إن خرج من بيته ومشى في الزقاق، رماه الأطفال بالحجارة، وحتى أنهم تعدوا عليه ورموا نافذته بالحجارة وصرخوا (مجنون).
كان فان غوخ كاتبا مميزا أيضا، كتب ( سيأتي يوم وتباع لوحاتي) و ( لا أمل في الحياة) و(لا أستطيع أن أحيا دون حب).
طلب الحب وتمنى لو يستطيع شراءه، رفضته، ونبذته النساء اللواتي تعرف عليهن، وصل به الرفض إلى حد الجنون.
وقطع جزءا من أذنه حتى يهديها إلى إحدى الغانيات، وأوصل القطعة إليها صديق بوهيمي، ورفضتها.
عاش الفنان في حرمان ما بعده حرمان، تعطّش إلى العاطفة، واستجدى الحب، وتمنى لو يخرج بقصة عشق خالدة يدونها ألوانا.
لكنه رسم الطبيعة، وتابع الفلاحين في أعمالهم، والفقراء في حياتهم، (لوحة آكلو البطاطا)، والأرض المزهرة، والربيع بتدرجاته، وحقول القمح ( لوحة حقل قمح مع غربان) آخر لوحة قبل انتحاره.
والطبيعة (لوحة النجوم على نهر ردانس) اعتمد إضاءة الشموع ليلا وألصقها على قبعته، وزهرة العباد المشهورة.
ورسم ما أثاره من مشهد آدمي مثل ( لوحة بري تنغاي) وغيرها كثير جدا، بلغ مجمل أعماله 2100 عمل فني، 860 لوحة زيتية، ونحو 1300 عمل بالألوان المائية.
من لوحاته ” مدام جينو”، رسم زوجة صاحب المقهى، وتركها هدية للعائلة، لم يعلم أن جينو هو من زج به في المصح العقلي.
بعد أن قدم إفادة ضده هو وأربعة أشخاص آخرون عند الشرطة، وصل سعر اللوحة إلى 40 مليون دولار.
وعندما خرج غوخ من المصح، أهدى جينو خمس لوحات أخرى، يا للبراءة!
أطلق على نفسه الرصاص منتحرا، ولم يمت إلا بعد أسبوعين بعد أن تسمم جرحه والتهب، أي لهيب هذا؟!
مشى فان غوخ في الزقاق يكلم نفسه لافتقاره إلى الأصدقاء، أراد أن يعبّر عن عمق تفكيره، حال المبدع عندما تتخمّر الأفكار قبل خروجها إلى العلن.
لم يفهمها الآخرون، رماه السكان بنظرات متوحشة، واحتقروه، لكن، يقام الآن وفي كل عام، حفل يعتذر فيه عن تصرفات العامة السيئة في الماضي نحوه، ولإعادة ذكرى فان غوخ.
قبل أن يباشر الفنان أنتوني كوين بتصوير فيلم عن الرسام، Lust For Life 1956، زار غرفته وجلس على كرسيه المنزوع، وبكى.
زار الكاتب ماريو يوسا المكان أيضا، وبحث عن الزقاق الذي سار فيه الفنان المنكمش على روحه وذاته،
والذي كان يؤدي فيما سبق إلى حانة عملت فيها الغانية التي عشقها، يدعى (زقاق الخطيئة)، لم يجد آثارا للبيت، لأنه أزيل خلال الحرب العالمية الثانية.
إلى فان غوخ أقول: في يوم ماطر جدا، إن حصل وفكرتَ كيف تقضي الطيور أوقاتها، لا تشتهِ سوى النقر على جدار القلب لتوقظه من خيبته.
متحف فان غوخ
الحب أعمى والفرح أصم، والقيلولة ذنب لا يغتفر لها، في يوم ماطر جدا، قص شريط الذكريات.
لا موعد لك مع العشق، حجارة القلب صدئة تنازع الصدى، في يوم ماطر جدا، كسرت فرحة الطيور الهاربة من غصن الحياة، في يوم ماطر، لا يغسل المطر قلوب القساة.
رابط مختصر ….https://anoujoum.com.au/?p=8120