النجوم – خاص
مطرب وملحن لبناني وهو من كبار الموسيقيين اللبنانيين والعرب والذي أطلق عليه الراحل الأستاذ جورج إبراهيم الخوري رئيس تحرير مجلّة الشبكة آنذاك، لقب موسيقار عن جدارة واستحقاق ، بركات يمثل امتدادا لزمن الطرب الأصيل كالرحابنة و فيلمون وهبي ونجيب حنكش ونصري شمس الدين،كما يعتبر من أشهر المطربين والملحنيين اللبنانيين والعرب، تأثر بفن الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب، له بصمة شخصية في الأغنية العربية المعاصرة باسلوبه اللحني الإبداعي وأدائه الذي يجمع بين الطرب الأصيل والغناء المتجدّد. قدّم بركات أغنية متكاملة باللهجة اللبنانية، تحمل مواصفات مميزة ترتكز على جملة شعرية كثيفة الصور، وألحان شعبية مرنة، تمنح الأغنية بعداً آخر، لتشكل بصوت ملحم بركات حالة من الفرح المتوازن بين الطرب وبين ما يرغب الجمهور في سماعه من أغان عصرية لبنانية بحتة، وهذا ما شكل امتياز آخر له في وصفه – حارس- الأغنية اللبنانية الأمين، لقد إستطاع هذا النجم العربي الكبير أن يخلق أسلوبا موسيقيا خاصا به خلال ستينيات القرن الماضي، جمع فيه بين اللحن والغناء وبين الأصالة والمعاصرة، مكنه من السلطنة على خشبة المسرح، في الوقت الذي جمعته مجموعة من الشراكات مع عدد من الفنانين من بينهم فرقة الأخوين رحباني في عدد من المسرحيات الموسيقية، تمكن بركات من وضع لمسته الخاصة على الأعمال الموسيقية العربية خلال سنوات الثمانينيات من بينها “كبوش التوتي” و”وحدي أنا”، في الوقت الذي يعد من أكثر الفنانين احتراما وحبا في لبنان، بينما تجاوزت شهرته حدود بلاده لتصل إلى العالم العربي وأستراليا وأمريكا الجنوبية وكندا والولايات المتحدة الأمريكية… مميزات متعددة جعلته علامة بارزة في الموسيقى العربية.
مجلة النجوم ، تابعت مسيرة هذا العملاق الطربي لتقّدم خلاصات عن أهم محطات حياته الفنية الابداعية والشخصية .
نبذة عن حياته وموهبته
ولد في بلدة كفرشيما في الخامس من نيسان عام 1942 والده كان نجارًا، مارس الفن كهواية، وكان يدندن على العود ويردد أغنيات عبد الوهاب. أمّا ملحم فكان يصغي إليه باهتمام، يراقب أصابع يديه على آلة العود ويتعلّم. وعندما كان الوالد يتغيب، كان الصبي ملحم يقفز ويلتقط العود من على ظهر الخزانة ويدندن.
ظهرت موهبته الموسيقيّة منذ أن كان تلميذًا في مدرسة بلدته كفرشيما. وكان يقوم بتلحين بعض الكلمات من الجريدة اليومية وغنائها في إحدى المناسبات المدرسية. ويؤكّد ملحم بأنّ أول لحن وضعه كان نشيدًا لمدرستة في بلدة كفرشيما.وهو يستمتع بالغناء لمحمد عبد الوهاب، و أم كلثوم من أيضا. اشتهر منذ صباه كمغنّ في بلدته، حتّى طُلب منه مرّة الغناء والعزف بين فصلَي مسرحية “جنفياف” التي كانت تُعرض في البلدة، فلفت انتباه الموسيقي حليم الرومي، الذي كان يسكن كفرشيما، فأثنى على موهبته وشجّعه. في مطلع شبابه طلب ملحم من والده ان يسمح له بدراسة الموسيقى، فكان جواب الأب:”هناك عبد الوهاب في الساحة وتريد ان تصبح فنانًا؟!” ومع ذلك ترك ملحم المدرسة وكان في السادسة عشرة من عمره وقرر الالتحاق بالمعهد الوطني للموسيقى، فانتسب إليه، دون معرفة أبيه، فكان يخبئ كتب المعهد في كيس ورقي يخفيه أمام مدخل منزله، إلى أن اكتشف والده الأمر، الذي عاد وقبل الأمر نظرًا لإصرار ابنه وموهبته الواعدة. درس ملحم النظريات الموسيقيّة والصولفاج والغناء الشرقي والعزف على آلة العود مدّة أربع سنوات في المعهد الوطني للموسيقى (الكونسرفاتوار)، وكان من بين أساتذته، سليم الحلو وزكي ناصيف وتوفيق الباشا.
تجربته مع مدرسة الرحابنة
ترك المعهد قبل إكمال دراسته، فنصحه فيلمون وهبة بأن يتوجه إلى مسرح الرحابنة وهكذا كان. انضم إلى فرقة الأخوين رحباني. لكنّه بعد أربعة أعوام، تركهما لكي يشقّ طريقه الفنيّة ويبني شخصيّته الموسيقيّة الطربية والتلحينيّة المتميّزة لما يمتلكه من موهبة في هذين المجالين. فكان يلحن في مسرحيات الاخوين رحباني وبرنامج ساعه وغنية الذي سجل في تلفزيون الأردن وكان على صداقة حميمة مع فيلمون وهبة ابن بلدته، فأثّر فيلمون عليه بلحنه الطربي ذي الطابع الشعبيّ الذي يصنّف ضمن خانة “السهل الممتنع”. وكانا كلاهما يعشقان الصيد، وحياتهما ملىء بالبسمة والطرافة و”خفة دم” ينشراها أينما وُجدا. وعن التعامل مع الرحابنة، قال بركات: “ذات يوم قال لي فيلمون وهبي بالحرف الواحد: يا ابني أنت ولد موهوب لكن مع بيت الرحابنة لن تصل إلى الشهرة، إما أن تكون مكان نصري شمس الدين أو أقل منه، ولن يتركوك تتفوق عليه”. أشار بركات إلى أن الرحابنة “كادوا أن يربطوني بعقد، لكني لم أقبل، أكملت مسرحية الشخص ورحلت، اتصلوا بي عدة مرات فقلت لهم أن مستقبلي ليس عندكم، انطلقت، لو لم أفعل هذا لما انطلقت ولم يكن هناك ملحم بركات”. ويصف عمله مع روميو لحود مشبعاً بالحرية بينما عمله مع الرحابنة أكسبه الخبرة في الحياة وشجعه لأن يصبح فناناً
انطلاقته
أغنية «الله كريم» التي كتبها له الراحل توفيق بركات ولحنها له جاره الراحل أيضاً فيلمون وهبي رسمت اولى بدايات ملحم الفنية، كانت بداية مهمه لان صوته كان ممتلئاً وكامل والبعض كان يتوقع ان وديع الصافي هو الذي يغني الله كريم . الا انه لم يقتنع بأغنية واحدة وعندما طالبهما بأغنية ثانية وكانت الأغنية الرائعة سافر يا هوا كلمات مصطفي محمود والحان فيلمون وهبي ، وبعدها تعرف إلى مارون نصر وقدم له أغنية «يا أسمر» بعد أن دفع له مبلغ 32 ليرة لبنانية مقابل الحصول عليها. يومها طلب المبلغ من والده فوافقه رغم انه لم يكن يشجعه على الغناء. في الثانية والعشرين من عمره شقّ ملحم طريقه في مشوار فني طويل تعليمًا ولحنًا وغناء ومسرحيات. فقد درّس العزف على العود، واشترك في الغناء في فرقة الرحابنة في عدد من مسرحياتهم الغنائية وقام ببطولة مسرحية “الربيع السابع”، وبدأ مسيرته التلحينيّة لعدد كبير من المطربين، نذكر منهم: وديع الصافي، صباح، سميرة توفيق، ماجدة الرومي، وليد توفيق، بسكال صقر، ربيع الخولي، أحمد دوغان، ميشلين خليفة، إلخ. وكانت أولى ألحانه، “بلغي كل مواعيدي” (ثنائي بينه وبين جورجيت صايغ)، ثم ألحان مسرحية “حلوة كتير” للمطربة صباح، ومن بينها: “المجوز ألله يزيدو”، و”صادفني كحيل العين”، و”ليش لهلق سهرانين”.
أول عمل مسرحي قام ببطولته كان مسرحية “الأميرة زمرد” ومن ثمّ “الربيع السابع” مع الأخوين رحباني، وبعد ذلك مسرحية “ومشيت بطريقي”. وخاض غمار السينما وقام ببطولة فيلم “حبي لا يموت” مع النجمة هلا عون. كما أحيا وما زال يحيي الحفلات فوق المسارح العربية والعالمية في فرنسا، وأميركا، وأستراليا، وكندا، وقرطاج (تونس) وجرش (الأردن)، وغيرها من البلدان.
مرّ بمرحلة فقر وظلم وعوز أيام الحرب. ولكنّه لمّا لحّن أغنية “أبوكي مين يا صبيّه” للفنان وليد توفيق، كرّت بعدها السبحة وانطلقت شهرته من جديد، فقدّم: “علواه يا ليلى”، “عود يا حبيب الروح”، “يا لايمة ليش الملام”، “على بابي واقف قمرين”، إلخ.
يعتبر الشاعر نزار فرنسيس توأم روحه، فهو كتب له معظم كلمات اغانيه. واذا ما تطلب الأمر تعديل بعض هذه الكلمات فهو لا يتوانى عن القيام بذلك بكل طيبة خاطر من اجل عيني ملحم، كما حصل مثلاً في أغنية «جيت بوقتك» عندما قرر ملحم ان تحل كلمة «فرفح» مكان كلمة «فرَّح»، وكان له ما أراد، خصوصاً ان هذه الكلمة تذكره بابنه ملحم جونيور فهو كان يقول له دائماً: «بابا عندما اشاهدك على شاشة التلفزيون «بفرفح قلبي”
ملحم بركات في لمحات إنسانية
تزوّج ملحم بركات أولاً من السيدة رندا عازار وهي أم أولاده مجد ووعد وغنوة، ومن ثمّ من مي حريري التي أنجبت له ملحم جنيور والتي عاد وطلّقها، ومن ذكرياته التي لا ينساها معايشته للراحل فيلمون وهبي، ابن بلدته كفرشيما، فهو رافقه كسائق خاص لاربع سنوات متتالية، فتعلم منه تبسيط الامور. اما النصيحة التي كان يرددها على مسمعه فكانت: «لا يتفلسف في التلحين». اما علاقته بالراحل حليم الرومي، والد المطربة ماجدة الرومي، فكانت اقل عمقاً من تلك التي ربطته بفيلمون وهبي. والمرة الاولى التي سمعه يغني فيها كانت بالصدفة عندما طلب أحد اقرباء الرومي من ملحم ان يغني للحضور في مسرحية «جنفياف» بين الاستراحة والأخرى، فأدى أغاني لمحمد عبد الوهاب مثل «يا بابور»، «احب عيشة الحرية». آنذاك أعجب الرومي بصوته. لا يحب ملحم بركات ان يستذكر طفولته كثيراً. تلك الايام تشعره بالحنين والحزن معاً. لا ينسى مثلاً رائحة الليمون التي كانت تفوح في كفرشيما في الربيع، كذلك صوت الفوتوغراف الذي كان مختار البلدة متمسكاً به كأنه جوهرة نادرة تنطلق منها اصوات العمالقة فيجلس ملحم مستمعاً شغوفاً بها. ملحم بركات يخشى الأستوديو أو بالأحرى لا يرتاح فيه، لذلك نجد له العديد من الأغاني المدرجة في ألبوماته مأخوذة من حفلاته الحيّة وليس من تسجيلات الأستوديوهات لانه يحب ان يحب ان يتفاعل الجمهور مع صوته لايف عبر المسارح العربية.
أخيرا يُعتبر ملحم بركات مجدّدًا في الأغنية العربية واللبنانية وقيل عنه بأنّه “سابق عصره” إذ قدّم نماذج من الأغنية العربية الجديدة منذ ثمانينات القرن الماضي. وهو لم يغنّ إلاّ بللهجة اللبنانية، ليس لعدم اهتمامه باللهجات الأخرى، بل قناعة ووفاء للذين صنعوا الأغنية اللبنانية وأوصلوها إلى كلّ الأقطار العربية والأجنبية، أمثال الرحابنة وفيلمون وهبة وزكي ناصيف وتوفيق الباشا ووديع الصافي وسامي الصيداوي ونقولا المنّي وغيرهم، أطلق عليه المرحوم الأستاذ جورج إبراهيم الخوري، عندما كان رئيس تحرير مجلّة الشبكة لقب “الموسيقار”. ونال جوائز وأوسمة عديدة من دول ومؤسسات وجمعيات مختلفة .