د. سام نان
عرف العالم العربي أشكالا مختلفة من المسرح وأنشطته عبر أزمان طويلة حيثُ مرَّ المسرح العربي عامة والمصري خاصةً بعادات وتقاليد وأعراف، كما عاصر المسرح الأوطان اجتماعيا وسياسيا ودينيا حيث قطع شوطاً طويلاً إلى أن سما بالفن سمواً شامخاً.
ولم يكن للمسرح أن يعلو إلا من خلال قادة مسرحيين عملوا على رفعة المسرح ثقافياً وأدبياً وفنياً، أولئك الذين وهبوا أنفسهم وحواسهم وخيالاتهم وأحلامهم للمسرح ليحولوا الحلم إلى واقع والوهم إلى حقيقة.
ومن أولئك الذين لهم باع طويل وكبير ومجهود مضنٍ في المسرح وله علامات بارزة لا يقدر أحد أن ينكرها أو يتنكر لها ذلك الذي وهب نفسه لأن ينكب على الورق حاملا سلاحه ريشة القلم معمراً إياه بمداد لا يفرغ، وإن فرغ ملأه بدموعه وابتساماته.
الكاتب والمخرج المسرحي الكبير رأفت الدويري«.وهو من مواليد قرية «الدوير» بـ»أسيوط» عام 1937، من أب فلاح بسيط، تعلم في المدرسة الأمريكاني ثم انتقل إلي القاهرة وتخرج في كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، وقد تأثر «الدويرى» بنشأته وديانته.
بدأ الدويري في القراءة وانكبَّ على الكتب الأدبية والمسرحية حيث إن قراءاته فيما بعد كشفت عن طبيعة المسرح الطقسي، فنضجت فكرة المسرح الطقسي لدي «الدويرى» من خلال مصدرين أساسيين هما:
– قراءاته عن «شكسبير» وعن أصول الدراما.
– هو موروثه القروى المصري الأصيل في جنوب الوادي من التيمات الشعبية، كالزار والمولد والراوى والأفراح… إلخ.
وقد كان «الدويرى» مولعا في دراسته بالأنثربولوجيا والأساطير والفلكلور الشعبي والتنجيم والسحر، وكان معجبا كثيرا بـ «أنتونين آرتو» و»جيرزى» و»جروتوفسكي»، لأنه اشترك مع «آرتو» في أن المسرح لا يعتمد علي الكلمة فقط وإنما يجب أن يهاجم المتفرج، أما «جروتوفسكي» فيعجب بمسرحه لأنه يؤثر التغير ويصوغ مسرحه من خلال الوجدان والمساحات الشاسعه الغائرة فيه.
ويؤكد د.»عبد العزيز حمودة» في مقدمة مسرحية «التلات ورقات»[2] أن «رأفت الدويرى» اختار لنفسه طريقا واضحا منذ البداية لم يحيد عنه، وهو طريق التراث المتوارث في حياتنا، فقد جمع بين إحتفالية الطقوس الشعبية وبين حرفية فن المسرح.
وعندما قمتُ بالبحث في أعمال «رأفت الدويرى» لمستُ فيها اعتماده علي الإيهام عن طريق الطقس لخلق عالم لا شعوري تتدخل فيه الأحلام والكوابيس والغموض والظلام.
وقد تحول «الدويرى» جامدا في خلق مسرحا مصريا ذو صبغة شعبية، ولعله نجح قي ذلك من خلال أعماله التي قدمها خلال الثمانينات.
ومؤلفاته تنحسر في ست أعمال فقط، وهى:
– «الواغش» أو «الكل في واحد» أو «ليه…ليه». عرضت عام1984 بمسرح الطليعة.
– «ولادة متعسرة. عرضت بمسرح الطليعة عام 1982.
– «قطة بسبع- ت- رواح». حصلت علي جائزة الدولة التشجيعية عام 1983.
– «شكسبير في العتبة». عرضت بمسرح الطليعة 1986.
– «بدائع الفهاوات في وقائع الأزمان». 1984.
– «لاعب الثلاث ورقات». 1985.
وقد اعتمد «الدويرى» علي الأسطورة الأفريقية القديمة ومزجها بالتُرُث الشعبية كما في قصه مقتل «الزير سالم»، وهذا ما يؤكد علي طبيعة مسرحه الخاصة المستمدة موضوعاته من التراث والأسطورة.
«الدويرى» يمزج في براعة الأسطورة بالطقس الشعبي بالواقع. كما ان..
تأثره بالتراث يجعله مسيطرا بشكل مبالغ فيه علي مسرحه، فهو يشحن المسرحية بالعديد من التضمينات الأسطورية والتراثية الشعبية، ففي تلك المسرحية لايستعين بالأسطورة القديمة فحسب، وإنما أخذ يشير بصورة سريعة إلي تضمينات تراثية، فمثلا يشير إلى المثل الشعبي بداية من اسم المسرحية «قطة بسبع- ت- رواح»، واقتبس من «ألف ليلة وليلة» اسم «شر الطريق» و»علي بابا»، وأشار إلى سير شعبية، مثل «ياسين وبهية» و»أدهم الشرقاوي» و»على الزيبق» و»أيوب وتاعة» و»أبو زيد الهلالي»… إلخ من الإشارات إلي التراث الشعبي.
فإن «الدويري» يخرج بمسرحية شعبية مائة بالمائة، فنحن فى كل إشاره أو حركة أو كلمة مسرحية نلحظ جوا طقسيا خاصا بنا وليس غريبا عنا، فقد استطاع «الدويرى»، في تلك المسرحية تحديدا، وضع جميع الإمكانيات المسرحية المتاحة لخدمات طبيعية مسرحه.
ويؤكد الأستاذ «حسن عطية» في مقدمة مسرحية «ولادة متعسرة» علي أن اعتماد «الدويرى» في «قطه بسبع- ت- رواح» علي الأسطورة ليس بهدف إحلال الرؤية الغيبية للحياة محل الرؤية الواقعية، وإنما هو نوع من التجاوز والتزاوج القائم بالتخفيف عن نفسه، هذا الإنسان العصري، وطرح مزيد من الإتساع في منظور الرؤية إلي الكون ومخلوقاته».
وقد اعتمد «الدويرى» علي الرمز في مسرحه بصورة أساسية لما له من وجود رئيسى في الأسطورة، وإن صعب فهمه في بعض الأحيان، حيث تتداخل الرموز والإيحاءات بصورة معقدة، وهذا مما يؤخذ علي الكاتب، أما بالنسبه للغته، فإن «الدويرى» يؤثر تغلب اللغه الشعرية التي يختلط فيها الواقع بالميتا فيزيقا. وبهذا نري أن مسرح «الدويرى» علامة مميزة لمسرح الثمانينات، وكتاباته علامة بارزة منذ الثمانينات وحتي عهدنا المعاصر 2013 حيث أنه انفرد بمسرحا خاصا، له سماته المميزة المستقلة التي تميزه عن باقي كُتَّاب تلك الفتره.