#مجلة_النجوم_سيدني
بقلم ميرنا المصري
ما أجمل ذاك اللطيف الذي يدس في جيوب كلماته اللطف ويبخرها بالرقة ويكسيها بثوب الأناقة والحشمة قبل أن يزفها على مسامع الآخرين فتنتقل من الآذان لتستوطن القلوب…
ما أرقى ذاك القوي الذي لا يتتبع العثرات ولا ينتظر الزلات والسقطات وإن وجدها سترها واحتضن صاحب الزلة ممسكا بيده مرشدا إياه إلى الصواب…
ما أروع ذاك الذي يشغله ذنبه يجذف بعزيمة في بحور داخله بحثا عن عيوب ليحيلها إلى لجنة إصلاحه الذاتية أو ملكات ليحيلها إلى لجنة التطوير الداخلية…
هو يعلم أن إصلاح العالم يبدأ بإصلاحه لنفسه…
هو يدرك أننا بشر وكلنا خطاء والكمال لله الأحد. فلا يتتبع عيوب الناس خوفا من أن يكشف الله رداء ستره عنه فتنكشف سوءة عيوبه للناس كافة…
هو يدري أن الكلمات أوطان نلتجأ إليها عندما تقذفنا غربة الألم، فينتقي منها الأكثر دفئا واحتواءً وتشجيعا…
في الأغلب نحن في مجتمعنا نهجان: نحن لطفاء نخاف كسر الخواطر، نخشى أن نؤذي الآخرين فنؤذي أنفسنا من غير قصد…
نحن نظن القوة أن نمطر الآخر بالنقد والكلمات القاسية لكي يستتب لنا ما نريد دون اكتراث لما سيشعر به، فالمهم حصولنا على ما نريد…
وكأن الوسط ليس خيرا الأمور وكأن اللطف ضعف وانكسار وكأن القوة وقاحة وسفاهة…
– يقول الإمام علي -رضي الله عنه- وأرضاه الصديق من صَدَقَني ليس من صدّقني…
أن أكن لطيفاً يعني أن أراعي مشاعر الغير ولكن دون نفاق… أن أعبر عن رأيي بشكل صريح دون تجريح، ودون أن أدفن في ذاتي “ذاتي” وأعبر فقط عما يشتهيه الجماهير…
أن أكون لطيفاً رحمة في الناس ولكن لا لأخلق هالة اللطافة حولي وأن أصبح عبدا لنظرات ثناء الغير واستحسانهم…
ماذا سأجني من رأي الناس الإيجابي فيني أو السلبي؟ لا شيء…
هم لم يجتمعوا على الثناء على الأنبياء ولم يضرهم نقدهم لهم شيئا… فكيف سيجتمعون على الثناء علينا نحن البشر…
أكثر ما يولد الأمراض الجسدية_النفسية هو الكبت المشاعر… أي ألا تعبر عما يعتري في خلدك وتترك مشاعرك حبيسة صدرك وتخنقها ولا تسمح لها بالتدفق بحرية. فتهمل رأيك بحثا عن إرضاء الآخرين لأنك أدمنت ثناءهم عليك… فتقع يوما ما في فجيعة فقدان ذاتك والإصابة بالأمراض النفسية.
أولاً سيتدنى تقديرك الذاتي لأنك تعلم أنك منافقا بلا رأي وستسقط في عين نفسك، ثانياً سيصيب ثقتك بنفسك العطب لأنك جعلتها رهينة في بورصة إعجاب الناس بك والناس آراءهم متقلبة ولا تستقر على حال…
احترم نفسك بالله عليك قدرها احترم رأيك كن فخورًا به واحترم مشاعرك بألا تتعرض للآخرين بالتجريح أو النقد اللاذع.
فهناك دائما منطقة وسطة بين المديح والتجريح هي قول الحقيقة بطريقة لبقة ذكية، وبأسلوب يتطاير من جنباته الحنو والرحمة…
– يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب…
القوي من يملك السيطرة على انفعالاته من يملك دفة التحكم في سيل كلماته عند الغضب من يستطيع كبح تلك الرغبة الدفينة بإسقاط كل عيوبنا على الآخرين ما إن تمخضت لنا الحياة بكشف بعض منها فيهم…
كثير النقد مريض بالشعور بالنقص…
الذي لا يرى من حوله إلا العيوب في بصره مرض… وفي بصيرته ظلام…
تجريح الآخرين وتصيد إخفاقاتهم لن يجعلك تبدو قويا كاملا… بل ضعيفا منزوع الرحمة محروم من الأدب…
وخير الأمور أوسطها
رابط مختصر: https://anoujoum.com.au/?p=16537