
في شهر آذار من عام 1973، حلّ الموسيقار اليوناني الشهير ميكيس ثيودوراكيس ضيفًا على بيروت بدعوة من صديقه طوروس سيرانوسيان. قدّم ثيودوراكيس خلال زيارته أربع أمسيات فنية في جبيل وكازينو لبنان، كان أبرز ما قدّمه أغنية “زوربا” التي تُعدّ من بين أشهر الأغاني العالمية، والتي جمع فيها ثيودوراكيس بين خياله الموسيقي الخصب والتراث الفني اليوناني الأصيل.
في ذلك الوقت، كان ثيودوراكيس، الناشط السياسي المعروف، يعيش في المنفى بسبب معارضته للنظام العسكري الحاكم في اليونان. استقبلت بيروت ثيودوراكيس كفنان عالمي وثائر، وقد أصبح حديث الساعة في الأوساط الشبابية والجامعية والفنية والأدبية والسياسية.
خلال مؤتمر صحفي عقده في فندق مارتينيز، عبّر ثيودوراكيس عن حبه العميق للبنان، قائلاً: “بلادكم أيها اللبنانيون رائعة، وإذا لم أستطع في يوم من الأيام العودة إلى أثينا، سآتي لأعيش في لبنان. فلبنان أخ لليونان، إنه أكثر انفتاحًا وأكثر حرية”.
كان لحضوره في لبنان صدى واسع في مختلف الأوساط، حتى بين معارضيه السياسيين. وقد أشادوا بهواه “الشرقي”، الأمر الذي أثار استغراب الكثير من اللبنانيين الذين يرون أنفسهم جزءًا من الغرب.
بعد المؤتمر الصحفي، اقترحت أنا وصديقتي ماري روز بولس، التي اغتالتها جماعات متطرفة معادية لفلسطين والعروبة، زيارة ثيودوراكيس ودعوته لزيارة الأحياء الشعبية ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين في بيروت. استجاب ثيودوراكيس لدعوتنا على الفور، وأبدى اهتمامًا كبيرًا بالقضية الفلسطينية.
خلال لقائنا، تحدثنا عن الأوضاع في اليونان ولبنان وفلسطين. كانت معلومات ثيودوراكيس غزيرة في جميع المجالات، لكن موقفه من القضية الفلسطينية كان قويًا ومؤثرًا. قال: “القضية الفلسطينية قضية عادلة، وأنا أؤيدها وأحب الشعب الفلسطيني”.
أبدى ثيودوراكيس استغرابه من الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون، ووصفها بأنها “غير مقبولة إنسانيًا”. شرحت ماري روز له كيف طردت الحركة الصهيونية الفلسطينيين من ديارهم، وكيف يعيشون في ظروف مزرية بسبب الحرمان من حقوقهم وممتلكاتهم.
عندما علم ثيودوراكيس برغبتنا في تأليف مقطوعة موسيقية عن فلسطين، رحب بالفكرة، واتفقنا على لقاء ياسر عرفات، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، لمناقشة هذا الأمر.
خلال لقائه بياسر عرفات، عبّر ثيودوراكيس عن فخره بتأليف لحن يجسد نضال الشعب الفلسطيني من أجل الحرية والسلام.
بعد أشهر، أطلق ثيودوراكيس لحنه الشهير عن فلسطين، الذي حظي بتجاهل إعلامي كبير في محاولة لإخفاء دعمه للقضية الفلسطينية. لكن هذا اللحن بقي محفورًا في ذاكرتنا، ويمكن للجميع الاستماع إليه عبر وسائل التواصل الفني.
في ذكرى مئوية ميكيس ثيودوراكيس، نتوجه بتحية من القلب إلى روحه الشجاعة، وإلى جميع رفاقه الذين شاركوه نضاله من أجل الحرية والعدالة.