دينا سليم
– المخرج الأمريكي روبرت ألتمان قال: « صناعة الأفلام هي فرصة لتعيش الكثير من الحيوات»… إذن هل نبشّر أنفسنا أن حياتنا باتت قصيرة؟
شهدت سنة 2015 تفوقا من حيث الانتاج لمسلسلات رمضان، فقد جلست على قمة الهرم فبان تضاؤل الأعمال السينمائية واضحا وجليا.
هذا التكثيف في الأعمال الدرامية التي تشاهد يوميا وعلى مدار الساعة عبر مئات القنوات التلفزيونية وبعد أن أصبح التلفزيون الملاذ الوحيد للفرد، حيث أصبح ثقافة بيتية انتقلت من بيئة إلى أخرى بعد التخلص من دور السينما، حيث تم إغلاق دور السينما لأسباب كثيرة مما شكل خطرا في تدهور حالة الابتكار واختفاء الفكرة الجيدة واتاحة التكرار في طرح ذات المواضيع، والعبث بعقول المشاهدين، ربما يهضمها المتلقي لأنه تدرب في شهر الصيام على السماحة وتقبل كل شيء برحابة صدر، فاليوم الطويل يبتلع جميع ما يعرض. والمحزن أيضا هو أن البعض بدأ ينظر إلى دور العرض نظرة متلبسة وغير مريحة، وقد ظهرت الكثير من المشاهد في الأفلام التي دعمت الترويج السيء لدور السينما في بعض الأفلام العربية.
بات واضحة الكثافة في صناعة السينما الأمريكية مقابل تضاؤلها في مصر، ناهيك عن التخبط باختيار المواضيع في الفيلم المصري وهروب المنتجين لصناعة أفلام ترفيهية رخيصة، رغم المحاولات الكثيرة لنبوغ بعض المخرجين في ابتكار أفلام عصرية تفي بالذوق العام، لكن عدم استقرار الأحوال في شرقنا تزيد من هذه التخبطات مقابل الاستقرار في أمريكا مثلا، والتي بدورها تفوقت في صناعة السينما تفوقا ملحوظا يقترب من العبقرية.
الزميل ناصر عراق وهو ناقد سينمائي من مصر قال: « لم يكن الناس في خمسينيات القرن الماضي ولا قبلها يجدون غضاضة في ارتياد السينما في نهارات رمضان ولياليه، حتى لو كان الفيلم يتناول قضية غرام لاهبة أو يحتوي مشاهد تقرع فيها كؤوس الخمر، وأغلب الظن أن المصريين آنذاك كانوا يمتلكون من الحصافة الكثير، فهم يعلمون أن ما يرونه على الشاشة ليس حقيقيًا، وإنما مجرد تمثيل، كما أن مسألة تحريم أي شيء لم تكن قد غزت الثقافة المصرية مثلما يحدث في هذه الأيام، فالمصريون متدينون بطبعهم قبل سبعة آلاف عام، وفي الوقت نفسه يمارسون الفنون بأنواعها ويقدرونها، لذا لا عجب ولا غرابة أن يهرع الآلاف إلى السينما في أول يوم من شهر رمضان الكريم عام 1958 ليشاهدوا فيلم (كهرمان) للمخرج السيد بدير، ويتقاسم بطولته كل من هدى سلطان ويحيى شاهين.
وفي رمضان 1956 هرع المصريون إلى دور السينما لمشاهدة العرض الأول من فيلم (إزاي أنساك) لفريد الأطرش وصباح، وفي ذلك العام أيضا استمتع الآلاف بفيلم (شباب امرأة) لتحية كاريوك وشكري سرحان.
كالعادة تتأثر السينما جدا بالأحداث السياسية والاضطراب الاجتماعي، ففي عام 1955 تراجع الإنتاج بصورة مريبة حتى بلغ 45 فيلما فقط، بينما قد وصل إلى 68 فيلما جديدا في العام 1954، كما لم يعرض أي فيلم جديد في شهر رمضان من ذلك العام، ومع ذلك يحمل عام 1955 أجمل ذكرى، إذ لاح المطرب الجديد عبد الحليم حافظ على الشاشة للمرة الاولى في تلك السنة.
من المعروف أن اضطراب الأوضاع السياسية والاجتماعية يؤثر بالسلب على الإنتاج السينمائي. رأينا ذلك في مصر إبان اشتعال الحرب العالمية الثانية 1939/ 1945… وعقب حربي 1956 و1967.. وقد مرت مصر في الأعوام الأخيرة باضطرابات سياسية واقتصادية ضخمة ومهولة بدءا من يناير 2011 وحتى الآن، فطردنا رئيسين من عرين الرئاسة وأودعناهما السجن، وخرجت الملايين في الشوارع طوال شهور وسنوات تطالب وتنشد العدل والحرية والكرامة، وفوجئنا بحجم الإرهاب الذي تسلل في حنايا المجتمع.
هذه الأمور كلها أثرت بشدة على السينما، فتوقفت الكاميرات وأغلقت الاستديوهات لأن رأس المال جبان يخشى اقتحام هذا المجال الفني بينما الناس في الشوارع تأكل وتهضم السياسة وشجونها فقط».
أين هو الفن الجميل، وهل التزام الناس في البيت يؤدي إلى نضوج فني وثقافي، وهل يستطيع التلفزيون موازاة السينما بالخلق والإبداع؟ أي نعم لقد كبرت أحجام الأجهزة واتسعت حتى باتت تشبه شاشات العرض لدور السينما، لكنها لن تغطي الفراغ الذي بدأنا نلمسه، وأول البراهين هو هروبنا لتكرار مشاهدة الأفلام القديمة والتي أطلقنا عليها (أفلام الزمن الجميل) لذلك كان من الطبيعي أن يهرع المنتجون والفنانون والمخرجون إلى الدراما التلفزيونية التي ستعرض على الناس وهم في بيوتهم ولن يضطروا إلى دفع ثمن تذاكر من جيوبهم. هذه المسلسلات تباع للفضائيات حتى قبل أن يتم التصوير حيث تضمن حصة من الإعلانات تغطي تكاليفها وتحقق قدرا من الربح.
باختصار شديد، السينما صناعة وسوق لا يمكن أن تزدهر إلا في أوقات الاستقرار السياسي الاجتماعي. هكذا يقول تاريخ السينما في مصر والعالم.