#مجلة_النجوم_سيدني

وسام اليتم الأكبر

بقلم الكاتب  نعيم شقير

في مثل هذا اليوم من كل عام يتحضر التراب لاستقبال زرعه…
تتكلم الورود أغصانا، وتنغرس في جوفه، وتشرب من المطر فتزهر بعد حين ورد وياسمين…
وفي مثل هذا اليوم تحضر التراب لاستقبال وليمة زكية انغرست في جوفه، وشربت من دموعنا وأزهرت شوقا وياسمين وحسرة لم تعرف اليابس…
أيها التراب السعيد بورودك المقلمة…
أيها التراب الجائع لالتهام وليمتك الزكية…
اترك لنا شيئا من مائدة العمر…
اترك لنا قضمة من وجبتك…
اشرب من الحزن الذي فاض في قلوبنا وعيوننا، ومن بكاء الصنوبر ومن دمع شباط…
* * * * *

أمي…
يا زهرة شباط الندية…
أزهر غيابك شجر البكاء والخسارة…
وأشعل فراقك حطب النفس والذاكرة…
وتوسع اليتم في إرجائنا…
وتعكز على قاماتنا المترهلة…
وتعثر في خطواتنا المرتبكة…
ما عاد يركض في معركة الحياة…
ما عادت نكهة الأيام تنهمر من بكاء الفرح…
ما عادت الصور تفي بالغرض…
أفلست الذاكرة…
هرمت مساءات الوحشة…
وتوسعت فضاءات الغياب…
* * * * *

أمي…
كل شيء كبر في غيابك…
أولادنا صاروا أكبر…
همومنا صارت أكبر…
أوجاعنا صارت أكثر…
ما عادت الأدوية تجيد مخاطبة الألم ومحاورته…
استقال الفرح منا إلى غير رجعة…
استاذن للرحيل وتركنا في محطة النسيان…
قطارات كثيرة أطلقت صفاراتها…
مرت بنا ولم تسرق واحدًا منا…
تركتنا في مهب الانتظار…
لم نكن نملك الا حبنا لك…
وإذا بالحب لا يشتري تذكرة…
وإذا بالعمر لا يحصل على تأشيرة…
وإذا بنا في ترانزيت الانتظار…
نسمع صفارات كثيرة، ولا نتقدم خطوة…
مللنا الانتظار يا غالية…
شاخت ذاكرتنا قبل الأوان…
رسم الشعر الابيض لوحة الغياب…
وسكنا اللوحة المزينة…
ما عدنا نتخاطب الا بمفردات الحزن…
ما عادت قواميسنا تجيد غناء الفرح…
ما عادت لقاءاتنا تنجب صباحات العيد…
* * * * *

أمي…
لا يحلو اللقاء الا في جوارك…
نتسابق للوصول…
نتعثر بالمواعيد…
نرتطم بالحواجز والسدود…
نتزين بالثياب السوداء…
نلتحف بمشاعر الحداد…
نتصافح بأبجدية العزاء…
ونتبارز في إنشاد الذكريات…
استطاع فراقك ان يجعلنا في حلقة متماسكة…
لم نكن كذلك…
صرنا لا نستطيع الافتراق…
تعانقت قبضاتنا…
التحمت قلوبنا…
وعلا صراخنا…
وأنجبت حناجرنا صوتًا واحدًا يشكو غيابك ويغني أيامك…
* * * * *
أمي…
لفحنا صقيع شباط…
واستمر في نوار ولم يتخلف عن حزيران…
ومنحنا الشوق وسام اليتم الاكبر من كل الدرجات…
واستحلى الوسام الإقامة بين عيوننا… ولم يطلب الرحيل…
كأني به في محطة الانتظار، لا يملك ثمن تذكرة…
كأني به تضامن معنا وتكافل…
لا يرحل الا برحيلنا…
ورحيلنا لم يتحدد بعد…
رغم الصفارات الكثيرة لقطار العمر…
رغم صقيع الانتظار ووحشة الليل من دونك…

رابط مختصر: https://anoujoum.com.au/?p=13208