دينا  سليم

أعشق اللحظة التي يفاجئني بها عقرب الثواني عندما يتحرك فيلمحه بصري، أتفاءل به فربما يبشرني بخبر جميل، لكن التفاؤل وحده لا يكفي.
سألتني ابنة أخي سؤالها المحير: هل كتب الأشرار لك كتاب شعوذات وطلبوا ألا يوفقك الله في حياتكِ وأنتِ صغيرة؟
-ربما كتبوا وأنا كبيرة، لا أدري ولا أؤمن بهذا الشيء، ثم كيف لفتاة متحضرة مثلكِ أن تؤمن بهذه الخرافات؟
-لأني أراك امرأة كاملة، بل أنت أم لا شبيه لها من الأمهات رغم أنك عزباء، حتى أنك أحن وأدفأ من والدتي، أنتِ دللتني وكبرتني واهتممت بي عندما كنت طفلة، لماذا لم تتزوجي عمتي؟
التقطت الصور الجماعية للجميع أثناء حفل رأس السنة، وقد أعددت لهم أشهى الأطعمة التي يحبونها، ولم يتذكرني أحد، التقطت لنفسي صورة (سيلفي) وعندما رأتني والدتي وبختني وأنبتني. أرى بنات اخوتي وأخواتي سعيدات ومكتملات الجمال ومتفائلات، ضبطهن أكثر من مرة يتبادلن الرسائل الألكترونية مع الشباب، وعندما أتجرأ أنا وأضع أحمر الشفاه على شفتي، يتنكر الجميع لي ويعتبرون ما فعلته مشينا، وعندما توقفت الدورة الشهرية وانقطع الحيض قالت لي والدتي: –    ( الحمد لله، هيك وفرنا ثمن الفوط الصحية، يا ما أحلى أيام زمان عندما كنا نستعمل قطع القماش)!
لكن وبعد فترة ما من اختفاء الدورة الشهرية، لمحت مشحات خفيفة من الدماء، تهللت أساريري وابتهلت، أسرعت إلى الحانوت واقتنيت فوطا صحية وسرت في الشارع متباهية بالكيس الشفاف الذي أعلن عن نفسه، ابتسمت طوال الطريق وأحسست أن سن الشباب قد عاد، وأني ما أزال أحتفظ بالجمال وأن أحدهم يراقبني من بعيد وسيأتي لخطبتي، لم يأت أحد وكأنهم صنعوا من مادة الجبص، أشباه رجال، خطواتهم وملامحهم غير حقيقية، وعندما عدت بالكيس إلى البيت، سحبت والدتي الكيس من يدي عنوة وأمطرتني بكلامها القاسي، أجبتها:
-لم يعد هذا الأمر سريّـا، إنها سنّة الحياة والجميع يعرف أن الفتاة تحيض كل شهر!
لطمتني على خدي وقالت:
-(لكنك لست فتاة، أنت واحدة عانس، اللي قدك صاروا بدهم يزوجوا أولادهم).
لماذا لا يقيني الزمان من الكلام اللاذع الذي ينهال على رأسي ومن أقرب الناس لي؟ والدتي، ومن الدموع التي أذرفها كل يوم بسببها حتى أنني استسلمت للشرود وانغمست في أفكار جهنمية، وهي أن أسجن نفسي في غرفتي حتى ينتهي عمري، سجنت نفسي عدة أيام، لم يسأل عني أحد،  لم أذق فيها لا طعم النوم ولا الأكل، حتى أتت ابنة أختي فأخرجتني منها لكي تعرّفني على الشاب الذي سوف ترتبط به، احتضنته غير مرة وتعلقت بعنقه أمامنا، جميعهم ابتسموا فرحين، الفتاة اصطادت صيدة ممتازة، (كما ادعوا) شاب ذو عضلات ويعمل حارسا في مصنع، تذكرت الرجال الذين تقدموا لخطبتي سابقا والذي رفضهم والدي رحمه الله، ووالدتي التي وجدت عيوبا بكل من تقدم لي، حتى لو كانت عيوبا يمكن التعايش معها.
تغيرت حالتي فجأة، ذهبت إلى صندوق مقتنياتي وأخرجت منه بعض المال، خرجت بها إلى المجمع القريب، بحثت عن شيء أقتنيه لنفسي، لم يهمني إن اتهمونني بالتبذير ولن أرضخ إلى توبيخات والدتي بعد الآن، دخلت محل للأدوات المنزلية، وجدت (كساروله) صغيرة تتسع لكوب حليب واحد، ثمنها خمسة دولارات فقط، بغطاء وبألوان شتى، أعجبني اللون الوردي، لكني اخترت الأزرق لكي لا أتهم بالجنون.
وضعت البائعة الوعاء داخل كيس أنيق يدل على اسم المحل، دليل على البذخ والرقي والثراء، لقد اقتنيت شيئا أعجبني من ذات المكان الذي يدخله الأثرياء، تباهيت به كثيرا وسرت مترنحة وسعيدة، شعرت ذات الشعور عندما اقتنيت فيما سبق الفوط الصحية، وعندما وصلت عتبة البيت صاحت والدتي في وجهي فوصلت صرختها إلى السماء وسألتني:
-(ويلي عليكِ، كيف تدخلين هناك، هل صرفتِ كثيرا، ما هذا الذي في هذا الكيس الجميل؟
-إنها فوط صحية يا والدتي!
عقرب الساعة قفز من مكانه، إشارة أنه سيأتي الفـرج حتما، لكن أي نوع من الفَـرج؟ لست أدري!