هدى الدّغاري
تقْرن حاجبيْك على الخفيف، متى خرجتْ امرأتك بفتْحة في الصّدر. حتّى وإنْ صمتَّ لحداثتك الظّاهرة، فأنت قد مرّرتها على مضض! تسْبقكَ أختك الى المقعد الأمامي للسيّارة، فتجْذبها قائلا: أنا الرّجل، اصْعدي إلى الخلْف!
تنظر لكَ أمّك وهي تستعد لتشغيل محرّك السيّارة، وأنت تقول لها: تسوقين يا ماما ببطء، أبي وجدّي يسرعان ولا يخافان كما تخافين، كأنك تمشين على قشور البيْض!
تظلّ تتحدث عن المساواة بين الجنسيْن في الجامعة، أمام طلبتك، تُظهر أناقتك الزّائدة في التعاطي مع طالباتك البنات، تُشغّل اسطوانة أّنّ التّحصيل العلمي والمثابرة كفيلان بتحقيق النّجاح؛ كنتُ سأصدّقك لو عنيْت كل الطلبة بضرورة الاجتهاد ، صدّقت ديباجتك في التنافس النزيه لنيْل الشّهادة، فقط كنت صدقتك لو لم تستثنِ تلك الطّالبة التي تجعلك ترتعد كلمّا مرّت أمامك بقدّها الميّاس!
كُنتُ سأصدّقك لو لم يؤثّر هيامك بها في تحصيلها العددي في الامتحان.
حداثيٌّ بحيطان بيته المزدانة بصور تشي غيفارا والشيخ إمام، لكنّه لم يكتف ببناته الثلاث، ظلّ يُنجب حتى جاء “ الإبن” وليُّ العهد كما كان يردد بسعادة غامرة!
جاري المتحمّس للثورات التي غمرت عالمنا العربي، شديد الكُرْه للارث الذي أسكن المرأة الخدور، حريص على إبداء إعجابه بالنساء الصّارخات في ميادين الاحتجاج، يسمّيهن اللبوات، المقتدرات، اللواتي يُركّعن أعتى الأسود!
أسرّت لي مرّة زوجته وهي ممتعضة منه، في سياق تساؤلي عن غيابها الدائم عن حضور كل تلك الفعاليات، أنّه كان يقول لها سأنوب عنك في الحضور وابقي للاعتناء بالبيْت!
بالمناسبة تذكرّت صديقة شاعرة حدّثتني بفرح عن دعوة جاءتها من بلد شقيق لقراءة الشّعر هناك، كانت متحمّسة ومبتهجة، كانت تقول طوبى لنصّي الذي أقنع وجعلني أحلّق بعيدا!بعد عودتها من رحلتها تبيّن أن صاحب الدّعوة لم يحب نصّها في الحقيقة كما أحبّ جسدها! قالت لي لمّا رفضته، تجاهلني طيلة الملتقى! بل وأخلّ بواجبات الضيافة المخصصة للغريب فما بالك بالزميل!
لا تقل أيّها القارئ أنّي متحاملة عليك، سأقول تماما كما لو كنت في مكاني مع فارق الجنس، أنت أبي وأخي وزوجي الذي سيأخذنى الى الجنّة! كيف أتحامل عليْك؟
فقط مللتُ تلك اليافطة الشهيرة أو الدرس الذي ما فتئنا ندرسه: تحرّر المرأة!، ألا يحقّ القول أيضا: تحرير الرّجل من عقدة التفوّق وشيزوفرينيا التحرّر المخادع!.
كلّنا في الهمّ سواء!
فلْنحرّر الانسان، أولى من الحديث عن تحرير المرأة الذي خضنا فيه ردحا من الزمن ولا نزال، ولم نحقق شيئا في العمق سوى أصوات هنا وهناك هي نفسها تدفع كل يوم ضريبة معاركها اليومية، فقط لأنها تحارب طواحين الهواء وتبحث عن تحرير أعرج يمشي بقدم واحدة مقابل يقين مجتمعي وتاريخيّ بأن الرجل غير معنيّ بهذه المعركة.
حرر أيها الرجل عمقك الأشبه بشجرة مسنة عروقها متشابكة ضاربة في الأرض فيها الغض وفيها اليابس ولا تنتظر أن تفكها من بعضها، هي هكذا كتلة متشعبة ومتناقضة.
إلا إذا ايقنت أيضا أنك معني بالتحرر كما المرأة تماما، تزيح عن أكتافك ريشة التعالى والنظرة الفوقية لمن تتبعك، ترى خطوتك متقدمة عليها مهما ارتفعت، يجعلك التاريخ تبرم شواربك وتضع ساقا على أخرى وأنت متضخم الأنا بفحولتك كماركة مسجلة لا تفنى بالتقادم.
صدقني أحبك يا صنوي في الانسانية:
يا أبي الذي علمني ولا يزال يقول لي احترسي من الذئاب العاوية.
ومع أنه ذئب فهو يحذرني من أشقائه!
يا زوجي الذي تحسدني عليه بعض صديقاتي، قائلات لولا تحرره لما كنت بهذا الالتماع، نحن مثلك بارعات لكن أزواجنا قصوا أجنحتنا!
كنت أقول لهن: لا أحد يحرر غيره فهو في مطلق الحال سيكون مديناً لمحرره. التحرر عزف وحيد داخل أجمة معتمة، امش فيها وأنت تأكل خوفك ولا تتراجع!