بقلم رئيس التحرير /  وديع شامخ

في حقل الكتابة شروط وامزجة ، حظوظ وحقوق وعقوق ، هناك لاعبون مهرة،سوق للتلقي ، ووسائط وفضاءات.
ولكن ما لم يقله الرواة ولم يتلمسه الثقاة من القرّاء ، وتجار الكتب واولو المكتبات وبسطات الباعة ، هو مزاج الكاتب وطقوسه ، وكيف وصل المبدع بحروفه وافكاره الى خواتيم الامور لتصل الى القارىء على شكل كتاب وتجربة .
وهل هذه الخصوصيات تعني القارىء حقا ، لتضيف للنص دهشة الكشف والترقب ، أم انها محض اشتغالات خارج نصية لا تعدو ان تكون فقاعات لتسويق النصوص واصحابها ، وامعانا في تضخيم الوهم القرائي !؟

في نهايات الثمانينات من القرن العشرين صدر كتاب «هؤلاء الكتاب كيف يكتبون ، عن دار المأمون للترجمة – بغداد – ترجمة كاظم سعد الدين « ..
ولقد كشف المؤلف عن طقوس جملة من الكتاب في الكتابة ، اختلفت وتباينت اجابات الكتاب ، فمنها الطريف ومنها المعتدل ومنها المعقول واللامعقول ، المبالغ به والواقعي ، وهي تكهنات قرّاء وليست محاكمة لطقوس الكتاب وشهاداتهم .
وهكذا كان الكتاب حصيلة طيبة من البوح نضيفها كخبرة شخصية للكاتب .
ولكن هل ستشفع هذه الاعترافات الشخصية لتكون مفاتيح آخرى للقراءة او قيمة مضافة للنص أم انها تبقى محنطة في سياقها كطرائق ومزاج ؟؟

مابين مزاج الكاتب وطقوسه وبين نتاجه المطبوع او المخطوط معا ، دخل درس التلقي في خيارات ونظريات انقسمت هي الاخرى الى طوائف وملل ونحل ، فمنهم من اراد لتاريخ النص وظروف انتاجة دالة قرائية ، وقوم يرون ان المؤلف هو كلمات وافكار مطبوعة ومسوق لنا بنص وكتاب، وهنا يموت المؤلف فلا شفاعة لاي جناح سوى المتن .. وجاء فريق ثالث ليحاول مسك عصا الجمال من خصرها فقال بوجود الاثر ومحيطه كمفاتيح للقراءة ودالات لانتاج المعنى النصي .

لعل من المفارقة العملية ان تثار طريقة منغولية في تسويق النصوص، وهي طريقة قصاصي الأثر وصانعي الوشاية ومحترفي ثقافة الاشاعة ، فالنص المنتج هنا لا يرتهن الى مقبولية النص ولا الى مزاج كاتبه ، بل يمتد الى حلقة سحرية من حلقات درس السوق على طريقة العيارة والشطارة في التسويق .
فتكون الاشاعة طريقا للوشاية في دخول النص الى حقل الكتابة ومنافسة لاعبيه المهرة وتخطيا لشروط الكتابة وحقوقها ، وهدر دم متعة التأليف والقراءة معا ، وصولا الى العقوق بسيادة منمطة بهوامش خارج شروط الحقل .

فهل لطقس كاتب عالمي مشهور في الكتابة بعد ان يمشي صباحا في حديقة عامة والاوراق بيدية ولا يعرف ساعة الوحي ، او ان شاعرا لا يتنفس الكتابة على ارواق بيضاء مطلقا ، او آخر يتناول الكحول او المخدرات للوصول الى لحظة الوهج ، واخر يفضل عزلة كاملة ، وربما كاتب لا يجد طقسا معينا . ربما تكون هذه الطقوس حاضنة مهمة لتوقد الموهبة للادلاء ببوحها ، ربما تكون هذه الطقوس مرضا كتابيا توارثه المؤلفون ، ولكن هل الطقوس شرط للكتابة ودخول حقلها ، هل الطقوس متعة شخصية لكمال الرسالة ، ام انها غزل غيرعذري وايماءات خارج ابداعية لقارىء كسول ؟؟

كتابة النص الابداعي لا بد ان تتوافر على جملة من المهيمنات النصية القارة والمبتدعة وليست وصايا ، لذا فأن المبدع محصن بالرؤيا خارج ظروف ولادتها ، وما القارىء إلا منتج آخر وليس ضحية للتهويم .
الفارق النوعي بين المبدع المصغي الى صوت ذاته والمتطامن مع افكاره وكشوفاته ، المبدع الذي يمارس طقوسه بجنون تام ليحصي لنا عثراته ولمعان موهبته معا ، وبين المنتج المهني – الحرفي – الذي يمارس الكتابة خارج مدار الجنون، ستقف الطقوس وغيرها مهيمنات للسطو على النصوص ومبدعيها .
سوف يكون السوق مفتوحا للوشاية ، سيقان الطقوس ستكون ايضا صالحة لدخول العيارين والشطارين لباحة النص .. فيفسد النص كما تفسد الثعالب الكروم .
لا نبيذ للمؤلف ولا كأس للقارىء