الحياة بلا موسيقى وشعر وغناء ستكون مقبرة ندفن معها الأنسانية

منى الصراف

ان الموسيقى هي التعبير الأنساني والحيواني والنباتي وكذلك جميع تلك الادوات التي تحيطنا في عالمنا الحسي هذا ، فالموسيقى تعبر عن ماهية هذه الاشياء كلٌ بخصائصه .

فالانسان يمتلك تلك الحبال الموسيقية في حنجرته ، فنجدها تختلف بين احدنا والاخر وتتنوع بين القوية والضعيفة او الجهورية والناعمة الرقيقة او الحنونة. والطيور باختلافها كذلك الحيوانات والاشجار تجدها تمتاز بهذه الصفة ايضا وتتنوع ، ويبقى صوت الأنسان هو الاكثر جمالا وابداعا بين جميع اصوات الطبيعة فباستطاعته تطويعه كما هو يشاء حتى بتقليده صوت الحيوانات وحفيف الاشجار وجميع تلك الاصوات التي تحيطه بالطبيعة .

فقد خلق الله لنا هذا الكون بنغمات موسيقية متنوعة ولم يخلقه اخرسا .

فنجد ان الانسان البدائي تعلم النغم والموسيقى قبل تعلمه للغة فمن خلالها استطاع إصال افكاره فنجده كان يطرق على جذوع الاشجار وتجويفات الاغصان اليابسة وكذلك الثمار اليابسة وحتى انه استخدم العظام لأيصال الذي يريده من خلالها ، واصبحت بعد ذلك لغة تخاطب بين القبائل المتباعده عن بعضها بواسطة القرع على الطبول . ان الموسيقى هي اللغة الاولى التي تعلمها الانسان ..وبعد ذلك تعلم المحاكاة من خلال اصوات الطيور وحفيف الاشجار واصوات حوافر الخيل وغيرها حين بدأ بتقليدها وحول حنجرته الى اداة مرنة ليصل بها للذي يريد قوله . تطور الانسان بمراحل عدة فامتلك الطموح والامال والقضايا والمشاعر فحولها الى لغة شعرية استطاع من خلالها ان ينقل تلك الاحاسيس الى المتلقي بلغة غاية في الجمال فجاءت كلمة الشعر من المشاعر الأنسانية تسحر ذلك المتلقي بعذوبتها .

أن الانسان خلق تحت إطار تلك المشاعر الأنسانية وتلك هي اهم السلوكيات البشرية أن كانت بالسلب او الأيجاب فظهرت نتائجها على شكل الفن والادب وبتنوع المشارب .

استطاع الانسان من خلال هذه اللغة ان يعبر عن غضبه او كرهه للاخر بدل لغة القتال مع خصومه ، فجاءت بشكل فخر وحماس او على شكل هجاء كما هما الخصمان اللدودان عبر التأريخ العربي وهما ( الفرزدق وجرير ) ومن هجاء جرير الى الفرزدق :

لما وَضَعتُ على الفرزدق مَيسَمي = ضَغا البَعيثُ جَدَعتُ أنفَ الأخطلِ

اخزى الذي سمك السَماء مجاشعًا= وبنى بناءك في الحضيض لأسفلِ

ومن قسوة وفحش الفرزدق في الهجاء فقد هجا جرير بأبيات تمس امه وهي أغلى عرض لدى العرب حيث قال :

دَعٓاني جرير ابنُ المَرَاغةِ = بَعدَما لعبنَ بنجد الملا كُلّ مَلعَبِ

فقلتُ لَه دَعني وتيماً فأنني = وأمكَ قد جربتُ مالمْ تُجرّبِ

ومع هذا كله لم يقتله جرير بل قد رثاه عند موته

لذلك يبقى الشعر اللغة الراقية للبشر فتجعلهم اكثر انسانية وعطف وحس حتى مع الأنداد . وحين يتناغم الشعر او الكلمة بالصوت والموسيقى سيخرج كل هذا على شكل لغة ساحرة وهي الغناء الذي ينعش الروح والقلب ويجدد الحس الانساني ويطويع النفس نحو الرقي وتشذيبها من درناتها وهمومها . وقد لاحظنا في العصر الحديث ايضا كيف استطاع نوع من الغناء ان يهذب الانسان وقد استخدم تلك اللغة اي الغناء بدل لغة العنف فنجد فن اخر في عالم الغناء قد ظهر في الغرب وهو غناء ( الراب ) الذي انتقل بعدها الى جميع اسقاع الارض حين حول مجموعة من الشباب ومن الشوارع الخلفية لمدنهم .. لغة العنف والقتال والصراع فيما بينهم الى لغة غناء بطريقة الهجاء على بعضهم كما هو الشعر العربي في الهجاء .

فأصبحت الصورة الشعرية والموسيقى المصاحبة للصوت البشري هي المحرك الاساسي للعواطف الانسانية وحتى الدينية ، فصوت ناقوس الكناس موسيقى وصوت الأذان موسيقى كذلك ، والصوت البشري الشجي لتلاوة القران هو موسيقى ، إذاً ( الموسيقى ،الكلمات ،الصوت ) ذلك الثلاثي المتناغم مع بعضه جعلتنا نحلق في ملكوت هذا الكون وعباده واحيانا اخرى تأخذنا خارج نطاق التغطية . الحياة بلا موسيقى وشعر وغناء ستكون مقبرة ندفن معها الأنسانية .