الشماعات هنا تعود لمادة الشمع تحديدا ، ربما تتخذ هيئات وصفات وألقابا ومنازل متعددة وأدوات إستعمالية أيضا ، ولكنها جميعا “ شماعات “ يربطها بالشمع وشائج وأواصر عالية الميوعة والقدرة على التشكيل وفقا لهوى صاحبها .. فالشمع يصلح للفرح دموعا وللحزن نذورا ، ويصح أيضا حالة للتأمل في غياب عصر الأنوار وشيوع الظلمة.
شماعاتي هنا تندرج تحت خانة العذر الإنساني الجاهز ، الحجة الواهية المخبوءة تحت الإبط ، الجاهزة التحضير لتنوب عن الجرم والسهو والخطيئة معا ..
فلكل حادث شماعة وسبب نعلّق عليه خيبتنا وفشلنا ونعبر الى الضفة الأخرى ظافرين بجلودنا وناجين من المساءلة .. مساءلة الضمير الذي بات مستترا ، ومساءلة المجتمع الذي أعمت الشماعات والظلمة طريقه لتلمس الحقيقة
الشماعات التي ننصبها في غرف نومنا و في مكاتب العمل .. نعلّق عليها ملابسنا ، جلودنا الظاهرة المحملة بالعطر والمضمرة بالدسائس والرياء .
كأننا كائنات منشطرة على نفسها ، حرباوات لنا في كل مكان قناع ..
ولنا في كل مقام مقال .. لافتات تتبدل طبقا لمعايير السوق وسعر الصرف .
قامات معروضة للشراء والمزايدة .. ولكل قامة شماعة ، تعترف لها بالذنب وتمضي متطهرة من أدرانها .
الشماعات ليست كرسياً للإعتراف ، ولا مراجعة نقدية للماضي .. إنها ذرائع جاهزة لتشميع رئة الضمائر من وخز التأنيب .. مظلات واقية من مطر دموع الضحايا ، دموع تماسيح لسحق الأثر والسير في جنازته ، قدرة بهلوانية كامنة في النفس البشرية لكي تنط كخفاش ليلي او قرد سيرك او ثعبان تحت سرير العاشقين ..
الشماعات وسائد لنوم الحمقى وغليظو الإنسانية ، يشخرون بها وعليها لإقامة الحد على الحلم الإنساني
الشماعات أجوبة جاهزة لاسئلة مجروحة ، يقين إزاء الشك ، طمأنينة كاذبة أمام عذابات لا نهاية لها ..
مرآة زمن أمام تجاعيد كائن متهالك .. أشواك مبرية في بستان ورد .
الشماعات تاريخ صامت إزاء حماقة الحاضر وغموض المستقبل ، حائط مبكى ، فزاعة طيور في حقل يباب ، مرايا تكافح المكوث أمام وجوه ممرغة في أكسير النسيان .
لكلّ منا شمع وآلهة ، تمر ومريدون ، بخور و مرايا ووجوه .. غابة من الشماعات .. كيف تتفحص وجوهك ، متى تجد ذاتك في هذه الغابة المتشابكة النوايا ؟؟
كيف ينتصب سؤالك في صحارى الروح ؟
العري هوية المسخ ، وأنت بكامل قيافتك تشعل طريقك بلا جدوى
الحشد يصرخ بالشماعات وأنت تريد النفاذ بجلدك من بئر “ الإخوة” ووشاية الحناجر .
الدرس مديد لا تسعه لدغة أفعى أو حكمة ملقاة على قارعة الطريق ..
الشماعات عرائس دمى ، وذاكرة لا تكف عن الفحيح .
هكذا يتهالك الإنسان أمام خرائط العبث ، خلف جرائر القنوط .. لا لشيء .. سوى أنه كائن بلا ذاكرة .
الشماعات عيون سرية تبثها شفرات ذواتنا السرية .. لكي تكون شاهداً ، حاضراً ، علينا
لاننا فشلنا في ولوج الحكمة طريقا ، والمرايا دليلا ..
الشماعات دليلنا على فحص “ ذواتنا “ التي أكلها الجراد وتنفس على مساماتها صيادو الأثر .
الشماعات عودة لروح الذاكرة… لا لتاريخ عريها ..
فلا أسرار بعد.. تحت الإبط ، ولا حشود للصراخ ..
حين تتساقط الوجوه وتذهب الأقنعة لسوقها ..
لابد من التوقف عند سر الشماعات ..
لابد من فضّ بكارة عطرها وفتح نوافذ جسدها ، للبوح القادم …
الشمع ، العطر ، العذر ، القامة ، الوجوه ، الكراسي ، الأحلام، المسافات ، الغابات ، المجهول ، المعلوم ، المستتر ، الأحمق ، المتصابي ، القدر ، اليوم ، الأقنعة ، القنوط ، العريّ ، الآلهة ، البخور ، النوايا ، الشفرات ، العسل والجراد ، الحلم والأثر ، الشك واليقين ، المسافة والزمن ،
شماعات لوجوه ملتحية ، محلوقة ، سمراء ، بيضاء، ناصعة ..
وجوه بلا رغوة ولا أقنعة ..
وجوه بلا شماعات .. تصدح بقوام كامل العافية .. وتغني.