يمثل الصفر في حياتنا الاجتماعية والاقتصادية مؤشرا خطيرا  لإنحدار تام  في مكانتنا  وقيمتنا معا ، إذ ان الصفر لا يساوي  شيئا في سوق المجتمع ، ومن يحمل صفراً من الأخلاق لايمكنه أن يكون إلا وحشاً، ومن  يحمل صفراً  من المال لا يمكنه إلا أين يكون  مفلساً في قافلة الحياة  ، ومن يملك صفرا من عقل وحكمة  فلا مكان له سوى في المصحات النفسية . وهكذا أقمنا على الصفر  حملة شعواء ليس بداعي قيمة الصفر الحقيقية بل بالتماهي بما ينتجه الصفر من إسقاطات وإستعارات وكنايات  لقيمة الصفر المعنوية التي ننحتها نحن.  ليس الصفر قيمة سلبية جدا كما يحلو لنا أن  نضع  كل خيباتنا  على شماعته الصامتة ، بل انه الرقم الأشد فاعلية  في عالم الجبر والرياضيات  وكذا الحقول كلها .. فلولا الصفر  لا وجود لقيمة الأعداد حيت تكف عن الرطانه حتى العدد التاسع  ومنها ينزل الصفر ومضاعفات الرقم الذي يزينه ويحسن من  قيمته .. وكذا في  الحياة الإجتماعية فلابد لوجود معيار لقياس  الأخلاق  وأسلوب الحياة ومستوى التطور الإقتصادي والتقني والرياضي  .. الخ . فلولا وجود قاعدة صفرية لما كان لكل النسب من معنى !

الصفر على الشمال أم على اليمين  معيار آخر لتحديد  المعنى وعدم تجريده والوصل  به الى  حد الواقعية ، فلا صفر على الشمال في الواقع   الرقمي  لكافة الحقول ، لذا فأن حكاية الصفر على الشمال  تندرج في خانة الأمثال للدلالة على شأن آخر وتوصيف لحالة  بالغة الرداءة  ليس للصفر فيها دور أيضا ، لان قيمة الصفر في وجوده على اليمين .

بين  يمين الصفر وشماله يختار الناس  حياتهم   ومصائرهم ومواهبهم للبقاء في نفق الصفر ذي الوجهين والاتجاهين ، والصفر بريء منهم  لأنه معيار لقيمة وليس قيمة ومكانة  منتخبة سلفا وراثيا أم بيئيا .

الصفر تقاطع المصائر وصرامة  حد السيف ، بين شفافية الطيران والسمو  والارتقاء وبين الإنسحاق  في الأنفاق ودهاليز الحياة ما قبل  الحضارة والنور .

تحدث الشاعر الراحل محمود  البريكان عن لحظة الخلق الشعري فقال « لابد أن يكون المبدع عارياً  من كل معارفه وخبراته في تلك اللحظة « وكما أشار باشلار الى تلك اللحظة واصفا أياها « اللحظة الميتافيزقية « وكذا كتب رولان بارت عن الكتابة في درجة الصفر المئوي ، كل هذه الآراء   تشير بسبابة عميقة الى قيمة الصفر في حقل الإبداع  والحياة أيضا .

فالصفرهو خط شروع الموهبة ولحظة وهجها وبوحها لتكون الأرضية الصلبة لتشكيل الهرم الإبداعي .

شاهدت  فلما  قصيراً  رائعا  يتحدث عن  الصفر في معنى القيم الإجتماعية  طالما نحن كائنات  بشرية تحمل مراتبها دون وجه حق .. فكان الفلم عن قيمة  الصفر   ورفضه  أولا، ومو ثم الإقرار به  .

لقد غزا الصفر حياتنا  وفي كل حقولها  حتى غدا مرادفا  لأحلامنا / لأن الانسان بلا حلم هو كائن صفري لا يجيد سوى صناعة الكوابيس في قيلولة  قائضة .

قديما قالوا :نصف العلم  لا أعرف ، وعدم المعرفة تعني الصفر الإيجابي  حيث ينهض السؤال من سباته ليواجه رحلته المضنية  نحو  القلق والشك وكل القيم الصفرية وهي تسير في  الجهة اليمنى من الصفر لتشكل سلما للإرتقاء ، لتزيل ضبابية اليقين الآسن ، المكتفي بوجوده صفرا والمتقهقر الى شماله أيضا

الروح الإنسانية الباسلة  لا يضيرها الصفر ، بل هي تسعى الى المرور به  كمعيار وخط شروع  لإلقاء تحية الوداع  والبدء  بالسير يمينا حيث التخوم البعيدة  التي تليق بالنفس الإنسانية الباحثة عن  الجديد والنفيس والعميق معا .

قد لا يكون الصفر أفقيا فقط،  فله عمق بليغ  لا يدرك جوهره ومعناه إلا العاشقون الذين يحملون أرواحهم  منارات وفنارت عالية  في ليل مليء بالأصفار نجوما وبنهار متوج بشموس الأصفار  ..

متعة الصفر في كونه معيارا لا قيمة وبداية لا نهاية ..بل هو أفق  لا  نفق .