دينا سليم – بريزبن

تعددت البرامج الترفيهية على الشاشة الصغيرة حتى باتت تشبه بعضها البعض، وربما تكون منسوخة أيضا بأسلوبها عن برامج أجنبية كثيرة، السؤال الذي يقلق فكري هو، هل هذه البرامج ترفّه عن بال المتلقي حقا وأهدافها سامية حيث يمكنه أن يستمتع بها ويتعلم منها أيضا، أم تنسيه همومه لحظاويا فقط، وهل قنوات التلفزة تنفق أكثر من اللازم على هذه الأعمال الترفيهية لغرض الكسب المادي وأصبح هدفها فقط تأمين لحظات من الفرح للمشاهدين في غياب المضمون ومضاعفة الأرصدة.

نفتقد لأيام زمان، أيام الأفلام الصامتة التي كانت تضحكنا وتثرينا برسائل هامة نحملها معنا لتصبح لنا قيمة ومبدأ نسير عليه، حتى لو كانت صامتة، فمن منا لم يشاهد على الأقل فيلما واحدا للفنان العالمي القدير (تشارلي شابلن) هذا الصعلوك الذي استطاع أن يكون أقوى عمالقة زمانه.

ولن أتجاهل أعمالا عربية كثيرة، فمثلا العمل الجميل للفنان عادل امام مسرحية ( مدرسة المشاغبين) والتي لو شاهدناها عشرات المرات نبقى نستخلص منها حكما جميلة ودروسا جيدة، وللذي لم يفهم الهدف حتى الآن، فالمسرحية تناولت فئة من التلاميذ الذين يعانون من مشكلة العسر التعليمي والتخلف البيئي والمجتمعي بشكل مدروس ومهني.   

استعنت بالناقد السينمائي المصري محمود الغيطاني ليقول:

أظن أن البرامج الترفيهية على الشاشة الصغير هي مثلها مثل غيرها من البرامج، لها جمهورها الذي يخصها ولا يمكن لنا الحكم عليها بأنها برامج تافهة أو ليست مهمة؛ لأنه ليس من الضروري أن تكون كل البرامج جادة وجافة، فحتى نحن كمثقفين في حاجة بعض الأحيان إلى الترفيه وإلا سنسقط في غياهب الاكتئاب وعدم القدرة على مواصلة الحياة، ومن هنا تأتي أهمية البرامج الترفيهية، ليس بالنسبة لجمهورها فقط ولكن بالنسبة لنا نحن أيضا العاملين في مجال الفن والثقافة؛ لأننا لن نستطيع مواصلة الحياة دائما من دون ترفيه، والمشاهدة، أو التواصل مع أمور مختلفة، بالتأكيد ستعيد لنا الرغبة في مواصلة الحياة، وتعطينا قدرا من الراحة مما نتعاطاه جميعا، كما أنه لا يجب أن ننظر دائما إلى ما يختلف معنا باعتباره أقل منا أو أنه ليس بذي أهمية، فلكل موضوع جمهوره الذي يخصه، وبالتأكيد هناك الكثيرون ممن لا تعنيهم الثقافة أو الفن كثيرا، وهؤلاء من حقهم أن يكون لهم برامجا تخصهم وحدهم وتخص ثقافتهم، فالحياة لا يمكن أن تكون طبيعية من دون تنوع؛ لأننا لن نكون نسخ مكررة من بعضنا البعض على الإطلاق، التنوع هو سمة الحياة.

أما الكاتب نزار فواز – لبنان

فقال: في زمن تُسابق فيه وسائل التواصل الإجتماعي ووسائل الإعلام على اختلاف أنواعها وبسبب عدم القدرة على فهم التركيبة الاعلامية لدى الأغلبية الساحقة من العامة وقبولهم لكل ما يُعرض على شاشات التلفزيون من برامج وما يُطرح من مواضيع، وعدم إلتزام وسائل الإعلام (مؤسسات وأشخاص) والقيمين عليها بالأخلاقيات والمعايير المهنية، ضاع الدور الحقيقي للإعلام كالتوعية والتثقيف والتسلية وحتى نقل الخبر الصحيح، واندثرت كل المعايير المهنية والأخلاقية.

في العام 1948 حدد الباحث الإعلامي هارولد لاسفيل قاعدته في العلوم الإعلامية المؤلفة من خمسة عناصر: من يقول، ماذا يقول، لمن يقول، كيف يقول (الوسيلة)، ما هو تأثير قوله (النتيجة)؟ ومن هذه القاعدة العلمية التي تنطلق لتضيف أدوار الإعلام الأساسية وهي تتلخص بثلاث نقاط محورية وعلى الشكل التالي: وظيفة إخبارية (نشرات أخبار ومراسلين ميدانيين)، التوعية والثقافة (برامج سياسية حوارية واجتماعية)، ترفيه وتسلية وهنا مكمن الخطر وبيت القصيد حيث انحرف دور الاعلام الترفيهي وتحول من اعلام مُفرح مُنير إلى اعلام مبتذل مثير فتعددت برامج الهزل والنُكات والسخرية، وتسابقت مختلف المحطات الأرضية والفضائية على عرض هذه البرامج تارة تحت مسميات النقد لشد المشاهد الناقم على الأوضاع السياسية والاجتماعية، وطورا تحت شعارات ومسميات في ظاهرها مفرح وفي باطنها مُخزٍ ومعيب، البعض من هذه البرامج وبعض المشاركين فيها يكتفون بالتلميح مما يكون أخف وطأة من البعض الآخر، الذي لا يراعي حرمة المشاهد الثقافية والفكرية وحتى العقائدية، فنسمع التمادي بألفاظ معيبة مشينة ونشاهد إيماءات وحركات فاضحة أكثر من الكلمات، هذا عدا عن التطاول على القامات السياسية والإجماعية ورجال الدين وتشخيصهم بشخصيات كاريكاتورية مما يثير النعرات الطائفية، وعلى ذلك أكثر من مثال أن سقوط المحظورات تتحمل مسؤوليته الكبرى إدارة البرامج في كل محطة، فعليها مراعاة القواعد السلوكية والمنهجية فليس كل شيء في العمل الاعلامي كسب مالي وعدد مشاهدين، وهذا لا ينفي أبدا دور كل من المربين والأهلين، وهناك مسؤولية منوطة بهم تحدد البرامج التي يسمح بمشاهدتها على مدار الأسبوع علما أن المهمة باتت شبه مستحيلة، حيث انتزع الاعلام العصري بمساعدة وسائل التواصل الإجتماعي وسرعتها وسهولتها كل السلطة من الأهل في البيت ومن الأستاذ في المدرسة وقضت عليها نهائيا عند رجل الدين وعلى الجميع أن يتذكر قول الشاعر: “ وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت …… فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا “.